هذا ما قدّمه لبنان لمنكوبي سوريا وتركيا… فلس الأرملة

8 فبراير 2023
هذا ما قدّمه لبنان لمنكوبي سوريا وتركيا… فلس الأرملة


على رغم المأساة الكبيرة التي حلّت بكل من تركيا وسوريا جرّاء الهزّة – الكارثة، التي خلّفت وراءها الآف الضحايا والمصابين وسقوط مبانٍ كثيرة على رؤوس أصحابها، فإن ما لاقته هاتان الدولتان المنكوبتان من تضامن إنساني مع المنكوبين قد أثلج القلوب، ونزل سلامًا وبردًا على قلوب الناس المفجوعين والمتألمين أو الذين أصبحوا من دون مأوى أو ملجأ. 

Advertisement

ولبنان كان من بين الذين تضامنوا مع الشعبين السوري والتركي عبر إرساله ما أمكن من المساعدة البشرية، حتى ولو كانت هذه المساعدة هي بمثابة “فلس الأرملة”، أو هي ترجمة وجدانية لمقولة “العين بصيرة لكن اليد قصيرة”. وعلى رغم تواضعها فإن هذه المساهمة اللبنانية كانت محل ترحيب وتقدير من قِبَل السلطتين في دمشق وأنقره، خصوصًا أن الجميع يعرفون طبيعة ما يعانيه اللبنانيون في مثل هذه الأيام الحزينة. 
صحيح أن الوردة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكنها تعطّر الأنفاس، خصوصًا في هذه الظروف القاتمة، التي تعيشها دول العالم قاطبة، حيث يسود التسابق على التسّلح، وتغلب الأنانية والفردية على أي عمل إيجابي آخر، إن وجد. وما يحصل في أوكرانيا اليوم، وفي أكثر من منطقة في العالم تعيش حروبًا متنقلة ناتجة عن توترات محلية وإقليمية ودولية، هو أكبر دليل على أن العالم محكوم بقوى لا تعرف معنى للقيمة الإنسانية للشعوب المعذّبة، والتي تُستخدم وقودًا لتأجيج الصراعات الكبرى القائمة على الكراهية والحقد وتضارب المصالح. 
فوقوف لبنان إلى جانب السوريين والأتراك المنكوبين أعاد إلى الأذهان الدور الطبيعي، الذي كان يلعبه لبنان عبر تاريخه، وهو الذي كان صلة وصل، باعتبار أن هذا الدور- الرسالة، كما وصفه البابا القديس مار يوحنا بولس الثاني، لا يستطيع أن يقوم به سوى من اختبر قبل سنتين ونصف السنة مرارة خسارة فلذات القلوب في انفجار المرفأ، الذي هزّ ضمائر العالم كله، ولم يستطع أن يمسّ ضمائر المسؤولين اللبنانيين، الذين يحاول البعض منهم تمييع التحقيق وطمس الحقيقة. 
فدور لبنان أن يكون إلى جانب كل معذّب في هذه الأرض، بغض النظر عن لون هؤلاء المعذّبين، أو دينهم أو عرقهم أو جنسيتهم، لأن أبناءه سيموا شتى أنواع العذابات، وهم يعرفون أكثر من غيرهم ماذا تعني كلمة معاناة، وماذا تعني الحروب وما فيها من مآسٍ. فلبنان يعرف كيف يمدّ يد المساعدة تمامًا كما يعرف كيف يطلبها بعزّة نفس وكِبَر، وهو المحتاج أكثر من غيره إلى أي نوع من المساعدة، ولكنه وفي الوقت ذاته يعرف كيف يساعد، ولو بلمسة حنان، ولو بشربة ماء. وفي هذا الحنان الكثير من المعاني والكثير من العبر، التي يُفترض أن تستنفر همم شعوب الأرض قاطبة لمواجهة غضب الطبيعة، الذي يفوق بكثير غضب سكّان الأرض، وما يلحقونه من ضرر وأذى في حقّ بعضهم البعض. 
فأمام هذا الغضب يعود الانسان إلى حجمه الطبيعي، ويقف عاجزًا وتسقط عنه الأقنعة، وتصبح بالتالي مشاكله أصغر بكثير مما كان يعتقده عن خطأ أو بفعل نكرانه لحقائق الوجود.