ما علاقة إيران بـ لقاء باريس؟

13 فبراير 2023
ما علاقة إيران بـ لقاء باريس؟


ليس مستغربًا ألا يصدر بيان مشترك عن اللقاء الخماسي، الذي عُقد في باريس قبل أسبوع، والذي خُصّص للبحث في الأزمة الرئاسية في لبنان. الأسباب معروفة وواضحة كوضوح الشمس في عزّ النهار. فلو صدر بيان على أثر “لقاء الضرورة” لكان لزامًا على جميع المهتمّين والمتابعين الاستغراب. 

ومن بين الأسباب الكثيرة لهذا التأخير، وقد بات الجميع على بيّنة مما دار من مناقشات في هذا للقاء، الذي يُخشى أن يكون يتيمًا، أن جميع الذين شاركوا فيه، بمن فيهم الأميركيون والسعوديون، يعرفون طبيعة الوضع في لبنان، ويعرفون أيضًا أن أي قرار أو نصيحة لن يكون لهما مفاعيل عملية على أرض الواقع لجهة تقصير عمر الفراغ الرئاسي، ما لم يكن لإيران رأي حاسم وجازم في الملف الرئاسي اللبناني، انطلاقًا من قناعة واقعية بالدور المحوري لـ”حزب الله” في لبنان، وإن جميع الذين اجتمعوا في باريس تقريبًا غير موافقين على هذا الدور. 
وسعيًا منهم إلى أكل العنب الرئاسي وليس قتل ناطور الحديقة الخلفية لقصر بعبدا، تمّ تكليف الجانب القطري التواصل مع المسؤولين عن الملف اللبناني في طهران، التي تحاول من خلال مواقفها المتشدّدة في محادثاتها النووية مع واشنطن أن يكون لها حصّة وازنة في خارطة تقاسم النفوذ في المنطقة. 
ووفق المعلومات المتداولة، وإن شحيحة، عن نتائج الاتصالات القطرية بالجهات الإيرانية المعنية، فإنه لم يُسجّل أي تقدّم يذكر. وهذا ما يؤخرّ صدور بيان رسمي عن “لقاء باريس”. 
ما سمعه القطريون من المسؤولين الإيرانيين، الذين تمّ التواصل معهم في الأيام الأخيرة، لم يطمئن الأميركيين والفرنسيين والسعوديين كثيرًا، خصوصًا لجهة التأكيد الإيراني المتكرّر من أن طهران لا تتعاطى بالشأن الرئاسي اللبناني، لا من قريب ولا من بعيد. وهي تحيل سائليها إلى “حزب الله”، باعتباره المعني بالاستحقاق الرئاسي مباشرة باعتباره مكوّنًا أساسيًا من مكونات المجتمع اللبناني الفسيفسائي. فله وجوده، وله موقفه ورأيه، وله تحالفاته وصداقاته وحتى مرشحه. 
ولأن للأميركيين والفرنسيين السعوديين رأيًا مخالفًا لهذه المشهدية للواقع اللبناني، فإنه من المستبعد أن يصدر عن “لقاء باريس” أي موقف نهائي، في انتظار استكمال مروحة المشاورات والاتصالات، وذلك اعتقادًا منهم أن أي بيان فارغ من مضمون قابل للتطبيق هو أسوأ بكثير من عدم إصدار أي بيان في المطلق، والذي يمكن الذهاب في تفسير أسبابه إلى الاعتراف بعجز المجتمع الدولي في تقديم المساعدة للبنانيين في هذا المجال. 
وعليه، فإن الكرة الرئاسية قد أصبحت في ملعب جميع اللبنانيين من دون استثناء، خصوصًا بعد اعتراف المجتمع الدولي، ولو في شكل غير رسمي، بأنه غير قادر على فرض أي أمر لن يكون محلّ توافق في الداخل اللبناني.  
وقياسًا على هذه المعطيات يمكن القول إن الأمر الرئاسي آيل إلى أفق مسدود أكثر مما هو عليه اليوم، وإلى المزيد من التعقيدات، ما لم يقتنع جميع اللبنانيين المنقسمين إلى فريقين، وربما إلى أكثر، باستحالة انتخاب رئيس جديد للجمهورية ما لم يتوافقوا على مواصفات مشتركة لهذا الرئيس قبل الحديث عن الأسماء، التي تنطبق عليهم هذه المواصفات الجامعة، وإن كان الاعتقاد السائد يشي بصعوبة التوافق على مواصفات محدّدة قبل الحديث عن توافق الحدّ الأدنى على اسم الرئيس، الذي سيبقى “لغزًا” من دون حلّ.