كتب أسعد بشارة في “هنا لبنان” لقد اعتقد الرئيس سعد الحريري أنه يتعامل مع حالة طبيعية في السياسة، لكن حسن النية الذي أدى به إلى تقديم كل التنازلات حتى المؤلمة منها، لم يشفع له لدى عون المستقوي بحزب الله.
يستمر الرئيس السابق ميشال عون في إتحاف المشاهدين والمستمعين، بنهفات سياسية لا يحتاج الأصحاء إلى تصنيفها، فهي تصنف نفسها ضمن خانة “صدق أو لا تصدق”، ولكن يبدو أن عون بفعل ما تراكم عليه من متواضعي العقول، بات يعتبر أنّ كلّ ما يقوم به مقدّس وخارج النقد والمساءلة، حتى لو كان من صنف الاتصال بسعد الحريري، والتمني عليه العودة إلى لبنان، بكل ما يحمل هذا التمني من “محبة ونية صافية” وقناعة وطنية بأن الرجل صمام أمان لا يفترض التفريط به.
لم تكد ذبذبات صوت عون في بعبدا، الذي اتّهم الحريري بالكاذب تختفي، حتى ظهرت هذه الذبذبات في الاتصال الهاتفي العابق بالحنان، فأين كان هذا الحنان حين عطّل عون كلّ حكومات الحريري، وحين استنزفه حتى التعجيز، وحين قال له أنّ وجود جبران خارج الحكومة، يعني أنك لن تشكل الحكومة. لقد كان الحنان يومها مغلفاً بالكيدية والشخصانية الجبرانية، التي أدت بسعد إلى أن يخرج من دون عودة، بعد أن خذله عون منذ العام 2016 وإلى يوم الخروج.
لقد اعتقد الرئيس سعد الحريري غير المجرب لمن هو ميشال عون، أنه يتعامل مع حالة طبيعية في السياسة، لكن حسن النية، الذي أدى به إلى عقد التسوية الرئاسية، وإلى تقديم كل التنازلات حتى المؤلمة منها، لم يشفع له لدى عون المستقوي بحزب الله، فلم يبقَ للحريري إلا أن يخرج، بعد دفع ثمن التسوية، لا بل بعد أن دفع ثمن عهد ميشال عون القاتم.
لو يعلم الرئيس الحريري وهو بالتأكيد يعلم أن المآثر والإنجازات الوهمية التي يحقن بها عون جمهوره هذه الأيام، تتمثل بخرافة أنه قضى لهم على الحريرية السياسية، وأنه في الطريق للقضاء على البرية السياسية، وما على هذا الجمهور إلا الانتظار.
لو يعلم الرئيس الحريري وهو بالتأكيد يعلم، أن الخرافة التي يعتاش منها ميشال عون، هي معاداة المسلمين وخصوصاً السنة منهم، وزرع وهم تحالف الأقليات، وبدافع هذا الاعتياش، بنى سرديته منذ العام 2005 وإلى اليوم، على لصق السنة بالإرهاب، وتولى لسانه وإعلامه ونوّابه ضخّ سيل من هذه الأوهام، التي وصلت في إحدى المرات إلى اتهام الرئيس تمام سلام بالداعشية، فضلاً عن تيار المستقبل، وكل عرب الاعتدال.
لو يعلم الرئيس الحريري وهو بالتأكيد يعلم، أن ميشال عون يحاول باتصاله به اليوم، أن يخرق العزلة التي يعيش فيها، وأن يشاغب بالمستطاع على حزب الله، وأن يقول له بالواسطة أن لديه خيارات كثيرة، وأن هذه المناورة لا تصلح كي تعتمد من لاعب يفتقد الاحتراف، لأن لا حزب الله سيتلقّاها بجدية، ولأنّ سعد الحريري لا يبدو أنه في وارد إعطاء أوكسيجين مجاني لطرف جرّبه جيداً طوال سنوات.
لأن سعد الحريري يعرف كل هذا، فقد قلب الآية هذه المرة، ويبدو أنه سيكون الطرف الذي سيحجز لعون الـ “one way ticket”.