زيارة الحريري… رسائل نارية ورسائل مضادّة!

16 فبراير 2023
زيارة الحريري… رسائل نارية ورسائل مضادّة!


كثيرة هي الملاحظات التي يمكن تسجيلها بعد زيارة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري القصيرة الى لبنان، سواء على المستوى السياسي او الشعبي أو على مستوى واقع “تيار المستقبل” بحدّ ذاته في ظلّ أسئلة عديدة طُرحت في المرحلة الفائتة حول تموضع الحريري وتياره وإمكان عودته فعلياً لممارسة العمل السياسي في المرحلة المقبلة بعد غياب طويل.
 
عمل الحريري خلال زيارته الى بيروت على إيصال رسائل واضحة، كما أنه تلقّى في المقابل رسائل سياسية لا يُمكن أبداً تجاوزها. لكن الاساس انه أراد تثبيت موقعه السياسي واستراتيجيته السياسية التي كانت سائدة في فترة ماضية خلال عمله السياسي السابق، أي أنه اراد التأكيد على تمسّكه بالثوابت الأساسية من دون رغبة بالتصادم مع أي قوّة سياسية في البلاد.
 
من جهة اخرى، تمكّن الحريري من استعراض قوته الشعبية والنيابية، وذلك من خلال تظهير قربه من عدد كبير من النواب السّنّة الحاليين، كما أن الواقع الشعبي الذي التفّ حول الحريري استطاع إيصال رسائل واضحة لمن يعنيهم الامر بأن الرجل لا يزال يتمتّع بقوة شعبية لا يمكن تجاوزها أو حتى وراثتها بأي شكل من الأشكال.
 
مما لا شك فيه أن رئيس “تيار المستقبل” أوصل أيضاً رسالة واضحة الى رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع، وإن بطريقة ديبلوماسية، إذ أوحى بأن العلاقة مع “القوات” لن تعود ابداً الى سابق عهدها وأن التحالف معها بات غير وارد على الاطلاق، وهذا الموقف القديم، تمّ تكريسه من خلال هذه الزيارة والذي كان الحريري قد بدأ به قبل تعليقه العمل السياسي، الامر الذي من شأنه أن ينعكس حتماً على تموضع نواب السنة الحاليين في الاستحقاقات الدستورية المقبلة.
 
تحدّثت أوساط اعلامية عن رفض الرئيس سعد الحريري لقاء احدى الشخصيات السياسية الطرابلسية، على اعتبار أن هذه الشخصية كانت أول من حارب الحريري مؤكدة على  نهاية “الحريرية السياسية” في لبنان، هذه التسريبات التي نُقلت من “بيت الوسط” لم يؤكدها أحد، ولكن في المقابل لم يخرج أي بيان نفي لها من أي جهة، ما يشير الى أن الحريري، بحسب المصادر، ركّز طوال فترة غيابه على القيام بعملية فرزٍ بسيطة ثبّت نتائجها خلال زيارته الاخيرة.
 
وإذ بدت لافتةً دعوة النائب اشرف ريفي، التي وصفت بالطارئة، بالتزامن مع ذكرى 14 شباط والتي تعتبر المحطة الاهم في رصيده، الى اجتماع “اعلامي” في مكتبه مع ما يسمى “بالجبهة السيادية” التي تضم بشكل أساسي رئيس جهاز التواصل والاعلام في “حزب القوات اللبنانية” شارل جبور، وذلك وفق مصادر سنيّة، في محاولة للتغطية على استبعاده عن المشهد الشعبي الكبير حول ضريح الشهيد رفيق الحريري في ذكرى اغتياله، لكنّ هذا الاجتماع اليتيم وفق المصادر عينها كان كافياً لإظهار ريفي عارياً على الساحة السّنية.
 
وتوقّف بعض المطّلعين على “طلّة” الرئيس الحريري عند زيارته لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، حيث اعتبرت اوساط سياسية قريبة من “بيت الوسط” ان مفتاح المخرج للازمة الرئاسية في جيب بري وهو سيخرجه في الوقت المناسب،  وما زيارة الحريري الى عين التينة سوى ضمن هذا الاطار، ولفتت المصادر الى أن الصورة التي جمعته “بتكتّل الاعتدال الوطني” برئاسة النائب وليد البعريني ربَّما تكون إشارة الى ما أسفر عنه اللقاء مع برّي، حيث أن التوجه الرئاسي للتكتّل الذي زار “بيت الوسط” مجتمعاً مرتبط بالكلمة الفورية لبري على هوى انتخابات هيئة مكتب المجلس.
 
في سياق متّصل، اعتبرت أوساط سياسية ان استقبال رئيس “حزب الكتائب” النائب سامي الجميل كأول موعد في “بيت الوسط” شكّل رسالة موجّهة من الحريري الى الأقطاب المسيحية في لبنان، لا سيّما لرئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع، لكنّ البعض ترجم هذا اللقاء، ربطاً بلقاء الجميّل الاخير مع رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، على أنه استدارة سياسية للجمّيل قد يُعوّل عليها في الانتخابات الرئاسية، غير أن مصادر “الكتائب” نفت أن يكون للملف الرئاسي علاقة مباشرة باللقاء مشيرة الى أنّ الزيارة كانت ودّية حيث تم عرض للأوضاع العامة وآخر المستجدات السياسية.
 
وفي الحديث عن الرسائل، فقد تلقّى الحريري عدّة رسائل أيضاً، ولعلّ أبرزها كان الغياب السعودي عن الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وهذا الغياب وفق مصادر ديبلوماسية جاء بمثابة تثبيت لقرار يدركه الحريري جيداً ومفاده أن العلاقة مع المملكة العربية السعودية لا تزال على حالها ولم يطرأ عليها أي تقدّم إيجابي يُحسب. كذلك فإن الارتفاع الملحوظ لسعر صرف الدولار والذي تزامن مع عودة الحريري طرح تساؤلات عدّة حول أسبابه وما إذا كان مقصوداً.
 
كل ذلك يتمحور حول الحراك السياسي لرئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الذي أثبت من خلاله بأنّ بصمته لا تزال راسخة في الحياة السياسية اللبنانية وأنّ زيارته الى لبنان أعادت شدً العصب الشعبي من حوله إذ أكّدت على أنه قادر على استعادة قواعده حينما يقرّر عودته عن قرار تعليق العمل السياسي، واشارت المصادر الى أن الحريري أراد إثبات عدم قدرة أحد على انتزاع مكانته في الساحة المحلية، كائناً من يكن، وأن هذه الزيارة ستبني عليها معظم القوى السياسية خياراتها وتحركاتها في المرحلة المقبلة.