عندما قرر كل من حسن شريف وجورج أبو شعيا وبول الجردي، الانخراط في صفوف الجيش كانوا يعرفون أن مسيرتهم العسكرية لن تكون نزهة، وكانوا يعرفون أنهم سيكونون مشروع شهداء دائم في مواجهة أعداء لبنان وكل من يحاول التطاول على سيادته وكرامته من خارج الحدود، وكل من تسّول له نفسه العبث بالاستقرار العام وبالسلم الأهلي في الداخل. ولكنهم لم يعرفوا حتمًا أنهم سيسقطون غدرًا على أيدي مجموعات من اللصوص وتجار المخدرات والفارين من وجه العدالة.
Advertisement
هذا هو قدر الأبطال، الذين نذروا أنفسهم لخدمة وطنهم، وللزود عنه حيث تدعو الحاجة، وهم كانوا على أتمّ الاستعداد لكي يستشهدوا ليبقى في هذا الوطن كرامة، وليبقى هذا اللبنان، الذي قدّم له شهداؤنا دماءهم على مذبحه، مرفوع الرأس وعالي الجبين.
اليوم يودّع اللبنانيون، جميع اللبنانيين، شهداء الوطن، تمامًا كما فعلوا بالأمس، وكما سيفعلون غدًا. وفي وداعهم سيقول كل لبناني تسري في عروقه دماء الوطنية الصافية إن دماء شهداء الوطن لن تذهب هدرًا، وأنهم حبوب قمح متى سقطوا سينبتون سنابل حرية وعنفوان وشرف وتضحية ووفاء وإباء ومروءة وشهامة.
حسن وجورج وبول لم يسقطوا على جبهات القتال ضد المغتصب، بل سقطوا في مطاردة شذاذ الآفاق، وهم في الداخل أخطر من عدو الخارج. هؤلاء اللصوص يعيثون في الأرض فسادًا. هؤلاء السفلة يدّمرون أجيالًا من الشباب بملوثات تشبه أعمالهم الشيطانية.
كم هي عظيمة شهادتكم يا أبطال بلادي. كم هي مشرّفة. كم هي متعالية عن الصغائر. كم هي سامية. كم هي أوسمة على صدورنا نفتخر بها. بدماء هؤلاء الأبطال تُبنى الأوطان. بدماء الشهداء الزكية تتطهر النفوس المشبعة حقدًا. بهذه الدماء تُستعاد هيبة الدولة. بهذه الدماء تُسترد الكرامة. بها وحدها يُعاد ترميم أساسات الدولة، التي هدّمتها معاول الجهل والحقد والضغينة.
أمثال حسن وجورج وبول كثرٌ في الجيش وقوى الأمن الداخلي وفي المديرية العامة للأمن العام وفي مديرية أمن الدولة. هم على استعداد تام لبذل دمائهم في سبيل الوطن، ولكي يستطيع كل لبناني أن يفتخر بأنه ينتمي إلى وطن – الرسالة.
بتضحيات هؤلاء الأبطال تُعاد الثقة بالوطن ومؤسساته. فلولا هذه التضحيات لكان لبنان، مع كل ما يعانيه من أزمات ومشاكل، وما يعترضه من صعوبات مالية واقتصادية كبيرة، قد أصبح فعل ماضٍ ناقص.
هؤلاء الأبطال المستعدّون لأن يضحوا بكل شيء ليبقى الوطن وطن الأرز، وطن التاريخ والمجد، وطنًا لجميع أبنائه، أرض السلام، أرض الوئام، أرض التلاقي والانفتاح، أرض الحضارات.
فالجيش، بعناصره ورتبائه وضباطه وقيادته، هو الضمانة. هو الملجأ. هو الحصن. هو الباقي الوحيد في المواجهة حين يتقهقر الآخرون.
فإلى أرواح شهدائنا ألف تحية، وألف عرفان بالجميل، وألف قبلة تُطبع على جباه أمهات وأباء هؤلاء الأبطال، وألف انحناءة إجلال.