كثيرون من يحبون الجدل وكثرة الكلام والتنقل بين موضوع وآخر للبحث عن جماهرية او شهرة او حتى لمحاولة لفت النظر وكسب المزيد من الاهتمام.لكن بعيداً عن كل هذه المحاولات وعن السطحية المرافقة لها، يبدو ان بعض المهن في لبنان تحوّلت الى عناصر للتراشق الكلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ.
وبعيداً ايضا عن الدخول في هذا التراشق العقيم وعن الوقوف في جانب البعض ومهاجمة البعض الآخر وعن الدخول في لعبة ” مين بلش والحق على مين”.بعيداً عن كل هذا وعن التفلّت الحاصل على وسائل التواصل الاجتماعي ما جعلها منبرا وصوتا مرتفعا للجميع دون اي معايير او شروط، قد يكون من المفيد ان نؤدي التحية الى عمّال النظافة في لبنان الذين لا ناقة ولا جمل لهم لا في “تويتر” ولا ” فيسبوك” ولا في سواهما.
في هذا السياق، يقول “ربيع” (27 عاماً) لـ “لبنان 24″: ” تركت المدرسة لأسباب تخرج عن ارادتي وارادة اهلي في عمر مبكر جداً.ومنذ ذلك الحين، توجهت من بلدتي في عكار الى العاصمة بيروت حيث لم تكن الفرص كثيرة امامي، فقبلت ان اعمل في احدى شركات كنس وجمع النفايات في العاصمة، وتحوّلت الى عامل نظافة يحترمه البعض ويسخر منه البعض الآخر”.
يضيف ربيع ” في يومياتنا تمرّ امامنا عدة مشهديات وصور نتمكن من خلالها من استخلاص ما يجري في البلد، ففي ايام زحمة السير نقول ان المواطنين قبضوا رواتبهم وهم في مرحلة صرفها او دفعها.اما في الأيام التي تخلو منها العاصمة من السيارات، نقول ان اجتماعا للسياسيين قد يحصل في مجلس الوزراء او مجلس النواب.وهناك بعض الأيام التي تمرّ حزينة على الشوارع التي ننظفها، فنقول ( الله يستر والحمدالله)”.
ويؤكد ربيع انه لم يندم من اختيار مهنته قائلا : ” لم يحالفني الحظ لاتابع دراستي، ولا املك معرفة في اي مهنة كتصليح السيارات او غيرها، لذلك لا اجد اي مشكلة في ان اكون عامل نظافة، وأقول ان مهنتي اليوم تؤمن لي مبلغاً مقبولاً من المال حتى اتمكن من تامين الحدّ الأدنى من مقومات العيش، فمعاشي الشهري يقارب الـ 8 مليون ليرة لبنانية وقد يرتفع في ظل الغلاء الحاصل في هذه الأيام”.
وعن تعييره والتنمّر عليه ووصفه بالزبّال، يشير ربيع ان ” الأمر بات يضحكني، وبغض النظر عن التسمية التي يطلقونها عليّ، فانا اعمل من عرق جبيني وأقوم بجمع النفايات التي يرميها البعض من شبابيك سياراتهم”.
في الخلاصة، مهن كثيرة قد لا تعجبنا اولا تروق لنا او قد نستعملها للدلالة على بعض الأمور، وهذا ما يشير الى اننا ما زلنا نتلهى في القشور ونبتعد بشكل كبير عن الادراك الفعلي للمجتمع والمهن وأهميتها… لذلك ألف تحية وتحية لعمال النظافة في لبنان.