تعمل القوى السياسية الأساسية اليوم على استشراف التطورات الاقليمية والدولية في ظلّ جوّيين متناقضين يسيطران على المشهد السياسي والاعلامي والدبلوماسي المرتبط بلبنان. الجو الاول يقول بأن ثمة تسوية مقبلة في المنطقة سيكون لها ارتدادات ملحوظة على الساحة المحلية ستؤدي بدورها الى تسوية متوازية. أما الجوّ الثاني فيؤكّد أن كل حديث عن تسوية على المدى القريب او المتوسط يأتي في إطار الشائعات غير الواقعية، سيّما وأن العالم يتّجه الى جبهة الاشتباك العنيف سواءً في ما يتعلق بالحرب الروسية – الاوكرانية او في العلاقات الغربية مع إيران، وهذا يعني أن الحل المرتقب والذي يعوّل عليها اللبنانيون لن يتحقق اقله على المدى المنظور.
لكن الحراك الذي تقوم به القوى السياسية المحلية يهدف بشكل أساسي بعد معرفة حقيقة التوجّه العام الى دراسة إمكان ذهابها نحو تسوية سريعة داخلية برعاية اقليمية او الاستمرار بالكباش والصراع اللامتناهي داخل الساحة اللبنانية، بمعزل عن تبعات هذا النزاع ومدى سيطرته على المشهد السياسي.
وإذا كان “حزب الله” يرغب بالذهاب سريعاً نحو تسوية داخلية مستغلاً بعض الاطراف الدوليين المهتمين بإبرامها، فإن قوى اخرى لم تتخذ خيارها بعد ولا تزال تحاول بشكل حاسم معرفة كيفية تطور الامور في العديد من الملفات في المنطقة، من بينها الكباش الايراني – الاميركي وما إذا كان سيسلك مسار التصعيد، لذلك فإن هذه القوى يبدو انها قد تفضّل الرهان على الوقت، علماً ان ما سمعه بعض الفرقاء اللبنانيين من اطراف ديبلوماسيين يقول بأن التعنّت على استمرار الوضع في لبنان على ما هو عليه من دون الذهاب باتجاه تسوية سياسية جدية سيلحق به اضراراً جسيمة من الصعب توقّعها، ويدفع به نحو انهيار كامل لن يتمكن بعدها احد من ايقاف عجلاته، لذلك فإن الحديث جرى في احدى اللقاءات الديبلوماسية عن أنه وبسبب مصالح بعض الدول قد يصار الى عزل لبنان عن الاشتباك الاقليمي والدولي شرط أن تتعاون بعض القوى السياسية من اجل الوصول الى تسوية مقبولة ومتوازنة.
إذاً، فإن كل التسريبات التي انتشرت خلال الايام الماضية حول تسوية بصيغة مختلفة ليست بالضرورة ان تكون جدية او حتى قابلة للحياة، خصوصاً ان جزءاً كبيراً وأساسياً من القوى السياسية والكُتل النيابية الوازنة القادرة على تعطيل الاستحقاقات في البلاد لم تحسم حتى اللحظة خيارها بتأييد التسوية ام بالاستمرار في المواجهة.
المصدر:
لبنان 24