ما لم يُكشف عن باسيل.. ما سعى إليه رفضته الضاحية!

27 فبراير 2023
ما لم يُكشف عن باسيل.. ما سعى إليه رفضته الضاحية!


قد يكونُ قرارُ “التيّار الوطني الحرّ” الإبتعادَ عن “حزب الله” سياسياً بمثابةِ أرضية لاحتمالات كثيرة، أوّلها عدمُ استطاعة رئيس “التيار” جبران باسيل تنظيم علاقته الفعلية والجدِّية مع سوريا بعكس ما كان يتمنى ويسعَى. فقبل أشهرٍ قليلة، أقرّ باسيل بنيّته زيارة دمشق للقاء الرّئيس السّوري بشار الأسد، لعلّه يُنجز ما قد عجز الآخرون حينها عن إتمامه، إلا أنّ ذلك لم يحصل ولم يتحقق. وحتماً، وبعد الزلازل التي حصلت مؤخراً، فإنّ أطرافاً كثيرة سبقت باسيل إلى سوريا، فالدّولة حضرت بقوّة عبر موقفها التضامني مع دمشق إبان الكوارث التي شهدتها، في حين أن وفداً وزارياً حطّ في سوريا وزار الأسد، فيما زار وفدٌ نيابي آخر الأخير أيضاً، وكل ذلك بعيداً عن باسيل الذي ما زال مُنشغلاً بأمرين لا ثالث لهما: محاربة كابوس تولي أي شخص آخر غيره لرئاسة الجمهورية، وإطلاق المواقف التصعيدية ضدّ الآخرين واستعداء “حزب الله”.

اليوم، وأكثر من أيّ وقتٍ مضى، يعيشُ باسيل التخبّط الكبير، فيما بات واضحاً أنّه يُقفل كلّ الأبواب أمامه تمهيداً لـ”الإنعزال السياسي”. واليوم، قد يكونُ من الصعب جداً على “صهر الجنرال” العودة إلى سوريا بشكل سهل وبسيط.. فمن أي بوابةٍ سيعود إليها؟ هل ستقبل دمشق بإرضاء باسيل على حساب “حزب الله” الذي يعتبرُ نفسه اليوم “مطعوناً” من أقرب حلفائه؟ الإجابة الحاسمة هنا، وكما قال باسيل في آخر خطابٍ له قبل أيّام: “لا وألف لا”.. ومع كل هذا، فإن حتى لو لم يكن الحزبُ على ودّ مع باسيل، فإنه قد لا يُعرقل أي مسعى له بـ”الإنفتاح” على سوريا، لكنّه لن يكون “عرّاب” هذا التحرّك مثلما كان الطموحُ قائماً. وإلى جانب كل ذلك، فإنّ المشكلة الأكبر لا تتحدّ هنا فقط بل على صعيد آخر، يرتبط مواقف باسيل ضدّ رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجيّة الذي تربطه بدمشق علاقات تاريخيّة.. فهل يُعقل أن تبادر سوريا لإحتضان باسيل على حساب حليفها فرنجيّة؟ هل سترضى دمشق بأن تنفتح الأبواب أمام سياسيّ يبذل ما بوسعه لإحباط وصول شخصية قريبة منها إلى مركز القرار؟المشكلةُ التي لا يُدركها باسيل هو أنّه ساهم بـ”تهشيم” العلاقة مع حلفائه بدلاً من ترميمها، ولو كن “سهلاً” و “ليناً”، لما كان وصل إلى هذا الدِّرك من العلاقات السياسية المُتردّية. ولكن، السؤال الذي يُطرح: هل سيساعده حلفاؤه المقرّبون من “حزب الله” وسوريا في تعزيز وجوده السياسي بعد الإبتعاد عن “حزب الله”؟ ما هو الشيء الذي كان يُصرّ عليه ويرفضه “حزب الله”؟بكلّ بساطة، فإنّ الجهات التي تحالفت مع باسيل، ارتبطت به بسبب “حزب الله”، وهذا الأمرُ مفروغٌ منه. وبالتالي، حينما قرّر رئيس “التيار” الإبتعاد عن الحزب بطريقةٍ فجّة كتلك التي تحصل اليوم بسبب “رئاسة الجمهورية”، فعندها لن يرى الكثيرين حوله، ولن يلقى أي تأييد لمشروعه الذي يطمح إليه. وحالياً، فإنّ أكبر دليل على ذلك هو أنّ أحد المقربين من باسيل و “حزب الله” وسوريا رفض التعليق على ملف العلاقة المتأزمة بينهما، والدليل على ذلك هو أنّ الأمور في ذروتها وأي كلامٍ عن هذا الأمر في هذه المرحلة في إطار “غير مضبوط”، ستكون له انعكاسات سياسية سلبية.الأهم من هذا كله هو أنّ جهة مقربة من باسيل كشفت عن أنّ الأخير وخلال مشاوراته سابقاً مع “حزب الله” بشأن الرئاسة، كان يُصرّ على أمورٍ أكبر من وزارات وأكبر من رئاسة وأكبر من تعيينات هنا وهناك في حال لم يصل إلى قصر بعبدا. وحُكماً، الآن تبين ما كان يصبو إليه باسيل، فالأمرُ يرتبطُ حقاً بـ”فرط النظام” كله وبأسرِه، وبافتعالِ أزماتٍ كبرى تضربُ لبنان في جوهره وبإحداث تصدّعات في مؤسسات مفصليّة تساهم في عزل لبنان عن العالم.. بكل بساطة، قد يكون هذا الأمرُ هو ما يطمح إليه باسيل بحجة الحقوق، إلا أنّ ما ظهر هو أن “حزب الله” لم يُجاريه بكل ذلك، ولهذا اتخذَ القرار بـ”الإنفكاك السياسي”. هنا، فإنّ الأمر الثابت والوحيد هو أنّ الخطابات التصعيدية لرئيس “التيار” تثبت هذا التوجّه، ولو كان الأمر عكس ذلك لكان المنحى مختلفاً تماماً، أقلّه على صعيد الممارسة السياسة المرتبطة بإستحقاق رئاسة الجمهوريّة. وبذلك، فإنّ ما يُمكن قوله هو أنّ “حزب الله” وبـ”طلاقه” مع “التيار”، يكونُ قد ارتاحَ من ثقلٍ كبير كاد سيحمله تنفيذاً لمآرب باسيل الذي ظنّ أن الضاحية الجنوبيّة تخضع لإمرتِه تحت غطاء “التفاهم”، إلا أن ما لم يدركه بتاتاً هو أن هذا الأمر ما حصل ولن يحصل.حُكماً، المسار هذا كلّهُ معروفٌ لدى السوريين الذين قد لا يؤيّدون انخراط “حزب الله” في صراعٍ داخلي ضمن لبنان، إذ أنّ هذا الأمر ليس لمصحلتهم.. وعليه، فإنَّ نجاح الحزب في إنهاء “شرارة” هذا الصّدام عبر المضي بطلاقه مع باسيل، سيُريح سوريا حُكماً من أجل تفعيل العلاقات مُجدداً على قاعدة السّلم وعبر أدواتٍ بعيدة عن الإقتتال، لأن هذا المسار سقطَ قبل سنوات طويلة، وتكرارهُ بات صعباً. وبمعنى آخر، فإنّ أي حريقٍ في لبنان سيؤذي سوريا، والأفضل هو نزع فتيل الإشتعال من أيدي الجهات “المُتهوّرة”.. و “فهمكم كفاية”..