تراجع الزخم وعودة الجمود.. هل طوى جنبلاط صفحة مبادرته الرئاسية؟!

27 فبراير 2023
تراجع الزخم وعودة الجمود.. هل طوى جنبلاط صفحة مبادرته الرئاسية؟!


قبل أسابيع، خطف رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الأضواء بـ”الحراك الرئاسي” الذي أطلقه، كما يحلو له توصيفه، وذلك في محاولة منه لكسر “الجمود” المهيمن على أجواء الانتخابات الرئاسية، فعقد العديد من اللقاءات في العَلَن وفي الكواليس، كان أبرزها اجتماعه مع وفد “حزب الله” ولقاؤه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، إضافة إلى إيفادها ممثلين عنه للقاء البطريرك الماروني بشارة الراعي.
 
ومع أنّ حراك جنبلاط، أو “مبادرته” كما يراها كثيرون، وصل إلى مستوى “طرح الأسماء”، مع الحديث عن “لائحة” يعرضها على مختلف الأفرقاء، “يتصدّرها” اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون، الذي وُصِف بـ”الأكثر جدّية” في متنها، فإنّ الحديث عنها “اختفى” في الآونة الأخيرة، مثلها مثل اعتصام نائبي “التغيير” نجاة عون صليبا وملحم خلف في مجلس النواب، ولا سيما أنّ التحركين كانا متزامنين، بالصدفة على الأرجح.
 
وأثار غياب أيّ “معطيات جدية” عن حراك جنبلاط في الأيام الأخيرة الكثير من علامات الاستفهام، فهل أطفأ جنبلاط محرّكاته، وطوى عمليًا صفحة “مبادرته الرئاسية”؟ وما هي العوامل التي دفعته لمثل هذه الخطوة، بعدما كان يسعى إلى الوصول لنقاط مشتركة بين مختلف الأفرقاء يمكن الانطلاق منها لإحداث “الخرق”؟ وأيّ تبعات لـ”فشل” الحراك “الجنبلاطي”، إن حصل، على الاستحقاق الذي يبدو “مؤجَّلاً”؟!
 
الأمور “مقفلة” رئاسيًا
يقول العارفون إنّ رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” حين أطلق حراكه، كان يراهن على حدوث “خرق” بالفعل في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، في الداخل والخارج، وكان يتطلّع تحديدًا إلى “زخم” كان يُعتقَد أنّ لقاء باريس الخماسي يمكن أن يفرزه، وبالتالي فهو أراد أن “يواكب” الحراك الدولي بحركة داخلية تمهّد له، وتفتح الطريق أمام توافق وتفاهم شامل، يمكن أن “يحرّر” استحقاق الانتخابات الرئاسية.
 
ورغم أنّ حراك جنبلاط قام على مجموعة من الأسماء، بينها اسم النائب السابق صلاح حنين، إلا أنّ العارفين يؤكدون أنّ “رهان” الرجل كان تحديدًا على اسم قائد الجيش، الذي كان يعتقد أنّه قادر على “استقطاب” الشريحة الأوسع من القوى السياسية، خصوصًا في ضوء المواقف المؤيّدة له من جانب طرفي الصراع، إلا أنّه اصطدم أولاً بـ”الفيتو” الذي شهره رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل في وجهه.
 
وفي حين لم يَبدُ “فيتو” باسيل مؤثّرًا في مسار “المبادرة الجنبلاطية”، خصوصًا أنّها قوبلت بإيجابية في المقابل من طرف “القوات اللبنانية” التي أبدت أوساطها مرونة إزاء انتخاب قائد الجيش إذا ما حصد التوافق المطلوب، جاء موقف “حزب الله” ليجمّد المسعى، حيث أكّدت المعطيات تمسّكه بترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، علمًا أنّ “شكوكًا” أثيرت حول دور للأخير في “حملة إعلامية” شُنّت بعد ذلك على العماد جوزاف عون.
 
الحراك لم ينتهِ
هكذا، بدا أنّ رهانات جنبلاط لم تكن في محلّها، فالتوافق على اسم قائد الجيش لا يبدو متوافرًا، أو إنّ ظروفه لم تنضج بعد، أقلّه حتى الآن، في حين أنّ لقاء باريس الخماسي لم يغيّر شيئًا على الأرض، بل أحيط بالغموض الذي شوّش على نتائجه، في ظلّ ما أثير عن اختلافات في المقاربة الدولية، وهو ما انعكس سلبًا على الجهود الداخلية، رغم محاولة “الاستلحاق” التي جرت من خلال “جولة السفراء” التي جرت استكمالاً لنتائجه، كما قيل.
 
لكلّ ما تقدّم، بدا واضحًا أنّ “الزخم الرئاسي” تراجع بدل أن يتقدّم في الأيام الأخيرة، بغياب أيّ مؤشرات تدلّ على “انفراجة محتملة” في المدى المنظور، خصوصًا في ضوء إحجام رئيس مجلس النواب عن الدعوة لجلسات انتخابية جديدة كما كان يفعل سابقًا، وفي ضوء تقدّم الكثير من “الأولويات” على الاستحقاق الرئاسي نفسه، من بينها الملفّ المالي المتأزّم، مرورًا بإضراب المصارف، وملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وغيره.
 
إلا أنّ كلّ ما سبق لا يعني أنّ رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” قد طوى عمليًا صفحة “وساطته”، بحسب ما يؤكد العارفون، كما بعض المحسوبين عليه، ممّن يشيرون إلى أنّه يواصل اتصالاته خلف الكواليس، علمًا أنّ هناك لقاءات عقدت وتُعقَد من دون أن يُكشَف عنها، تفاديًا لأيّ “تشويش”، وهو ينتظر التوقيت المناسب لإدارة محرّكاته من جديد، خصوصًا أنّه مقتنع أنّ الحوار وحده سيكون “مفتاح الحلّ”، إن توافرت الإرادة لانتخاب رئيس.
 
لم يطفئ رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” محرّكاته إذًا، كما يقول العارفون، لكنّه على الأرجح اصطدم بواقع “معقّد” مفاده أنّ كلّ طرف لا يزال متشبّثًا بموقفه، رافضًا لتقديم أيّ “تنازلات”، بل رافضًا لمبدأ “الحوار”. ربما قرّر جنبلاط “الانكفاء” إلى حين تنضج ظروف تسمح لمبادرته بأن تحدث الخرق المأمول، “خرق” يبدو بعيدًا حتى إشعار آخر، طالما أنّ كلّ طرف على “رهاناته”، ولو بدت بعيدة عن الواقع!