حراك درزيّ لافت.. ماذا يجري في كواليس جنبلاط وهاب وأرسلان؟

1 مارس 2023
حراك درزيّ لافت.. ماذا يجري في كواليس جنبلاط وهاب وأرسلان؟


وسط الجمُود الذي يحكُم الملفَ الرئاسي إلى أجلٍ غير مُسمّى، برزَت حركةٌ غير عاديّة على الصّعيد الدّرزيّ. ففي الآونة الأخيرة، حصلت لقاءاتٌ عديدة لافتة بين الأقطاب السياسية الدرزية الأساسية، كانَ آخرها اجتماعٌ، أمس الإثنين، بين رئيس حزب “التوحيد العربيّ” وئام وهاب ورئيس الحزب “الدّيمقراطي اللبناني” طلال أرسلان. وعملياً، فإنَّ هذا الإجتماع المُعلن جاءَ بعد لقاءٍ عُقِدَ قبل فترة قصيرة بين أرسلان ورئيس الحزب “التقدّمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، إلا أنّه لم يجرِ الإعلان عنه رسمياً، ليتّخذ بذلك طابع السرّية رغم بعض التّسريبات التي رافقته.

بشكلٍ عام، فإنّ ما تمّ إعلانهُ عن اللقاءات التي حصلت، جرى ربطهُ مباشرة بـ”أجواءٍ تشاوريّة في الدّاخل الدرزي”، إلا أنّ المُراقبين للحركة المعهودة سابقاً، يرون أنّ ما يجري يعتبرُ لافتاً جداً لاسيما بعد الإنتخابات النيابية التي جرت في أيار 2022، وأظهرت حرب “كسر عضمٍ” بين الزعماء الدروز، جنبلاط، وهاب وأرسلان. حينها، كان الإنقسامُ كبيراً حقاً بين طرفين: الطرف الأول ويضمّ جنبلاط لوحده، فيما الطرفُ الثاني كان يضمّ أرسلان ووهاب. وبالنتائج الإنتخابية، كان جنبلاط هو الفائز نيابياً بـ”أساليب عديدة” اعتمدها، ومنذ ذلك الحين لم تكن هناك لقاءاتٌ “واضحة أو مُعلنة” بين “زعيم المختارة” من جهة، ووهاب وأرسلان من جهة أخرى.ما يحدثُ حالياً على السّاحة الدرزية يُعيد الذاكرة إلى اللقاء الشهير الذي حصلَ في حزيران من العام 2021 بين جنبلاط ووهاب وأرسلان، وقد كانت منطقةُ خلدة هي الحاضن الأساس لذاك الإجتماع. حينها، تداعت مختلف الأطراف الدرزية لـ”حماية الطائفة” من الهزّات التي كانت تحصل، في حين أنّ الرهان السياسي على “متانة الصف الدرزي” كان متجلياً في التقارب الذي حصل آنذاك. في ذلك الوقت، أبدت مُختلف الأطراف ليونةً كبيرة باتجاه بعضها، فجنبلاط كان أكثر سلاسةً في الفترة التي سبقت الإنتخابات، ومن يعُد قليلاً إلى مجريات ما كُشف عن لقاء خلدة، سيرى أنّ “البَيْك” سيُرسي هدنة طويلة الأمد مع وهاب وأرسلان، إلا أنّ هذا الأمر لم يحصل، إذ جاءت المعركة الشرسة إنتخابياً بعد عامٍ تماماً على اجتماع الأقطاب في خلدة،  كاشفة عن ضربةٍ جنبلاطيّة إستهدفت أرسلان بالإقصاء نيابياً، وبإبعاد وهاب عن البرلمان.لماذا عاد التحرّك الدّرزي الآن؟من دون أدنى شك، وبمعزلٍ عمّا فرضتهُ الإنتخابات الأخيرة، فإنّ لقاء خلدة عام 2021 أرسى نوعاً من “الإستقرار الدرزي” وجنّب طائفة “بني معروف” تقلّبات حادّة وسط الكثير من الحرائق الإقتصادية والسياسيّة. أمّا اليوم، ومع اللقاءات المُكثفة التي أثير الحديثُ عنها، فقد طُرِحت التساؤلات العديدة عن فحواها، في وقتٍ سرت فيه أقاويل عن وجود هواجس جِدّية حول إمكانية وقوع أحداثٍ أمنيّة تُهدّد الجبل وسط التدهور الإقتصادي الذي تشهده البلاد.يقولُ رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهاب في حديثٍ عبر “لبنان24” إنّ “النقاشات التي حصلت تُعنى بأمورٍ درزية داخلية وأساسها الهمّ المعيشي والإقتصادي للمواطنين”، نافياً أي كلام عن وجود “خطرٍ أمني” استدعى تحرّك الأقطاب الدرزية للتلاقي، وقال: “نحنُ نتشاور دائماً بشؤون الطائفة والقضايا المختلفة، ولسنا مُنغلقين على أنفسنا، والإنتخابات أصبحت وراءنا أصلاً وفي الأساس لا يمكن إلغاء أحد. مع هذا، من الضروري أن نبقى مع المواطنين واللقاءات تصبّ في إطار خدمة الناس”.وعن إمكانية لقاء جنبلاط، أكّد وهاب عدم رفضه لذلك، وقال: “لا مُشكلة في ذلك”، وأضاف: “جنبلاط لم يطلب لقاءً بعد ولم يجر أي تواصل بهذا الشأن”.من جهتها، تقول مصادر سياسية في الجبل إنَّ “التلاقي الدرزي” هدفهُ “حماية الطائفة” مُجدداً من أي حرائق قد تطالها، وقد وصلت إلى السياسيين الدروز رسائل من المرجعيات روحيّة تُحذّر من مغبّة “الفراق” والتنافر، وتدعو للتلاقي والحوار ولو بالحدّ الأدنى الذي يحفظ الدّروز في الجبل، ويؤمّن لهم إستقراراً نسبياً وسط الأزمات المتلاحقة. إضافة إلى ذلك، تشيرُ المصادر إلى أنه ليس مُستبعداً تماماً أن يجري حوارٌ درزي – درزي جديد بين الأقطاب السياسيين الأساسيين جنبلاط – وهاب وأرسلان، وذلك مثلما حصلَ في خلدة عام 2021. أما الأهم، فهو أنّ المصادر لا تستبعدُ أيضاً مبادرة جديدة من جنبلاط بإتجاه خصومهِ الدروز لملاقاتهم وسطَ التبدلات التي قد تجري داخلياً إقليمياً وتحديداً بعد الحراك العربي الأخير في سوريا. والسؤال هنا: هل سيحصلُ ذلك حقاً ويفعلها جنبلاط مُجدداً مثلما فعل قبل نحو عامين؟ وهل ستفتحُ التبدلات القائمة الباب أمام تغييرات جديدة سيكون “زعيم المختارة” عرّابها؟بشكلٍ أو بآخر، فإنَّ المبادرات التي قد تُرخي بثقلها على المشهد لن تكون معزولة عمّا يجري في الإقليم، وطبعاً ستكون الإستحقاقات المُنتظرة مسرحاً للقاءاتٍ مُفاجئة. ومثلما تمكن جنبلاط من “شدّ ” حزب الله إليه بعد الإنتخابات، فإنّ بإمكانه مُجدداً وبشكل سهلٍ أن يُلاقي خصومه الدّروز على قاعدة “صون وحدة الطائفة”، والأمرُ هذا ليس صعباً وقد يحصلُ في أي وقتٍ قد لا يكون قريباً جداً، لكنه لن يكون بعيداً أيضاً.