تفاعلت في اليومين الماضيين التسريبات الصحافية التي تكثّفت في الفترة الأخيرة عن “تسوية” تُطبَخ على “نار هادئة”، لإنجاز الاستحقاق الرئاسي وفق “سلّة متكاملة”، تفضي لوصول رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا، مقابل تسمية رئيس للحكومة محسوب على ما يُعرَف بقوى “14 آذار”، على غرار السفير نواف سلام، باعتبار أنّ مثل هذا الحلّ فقط يندرج ضمن صيغة “لا غالب ولا مغلوب”.
Advertisement
وإذا كانت التسريبات أشارت إلى أنّ مثل هذه “التسوية” ستكون مدعومة من “القوات اللبنانية”، التي ستؤمّن نصاب الجلسة الانتخابية، من دون التصويت لفرنجية، فإنّ الدائرة الإعلامية في الحزب سارعت إلى إصدار بيان نفت فيه مثل هذه المعلومات جملة وتفصيلاً، مؤكدة على موقفها “الرافض بشكل نهائي لا رجوع عنه” لأيّ مرشح رئاسي لـ”حزب الله”، وهو ما يسري تمامًا على “مرشح الممانعة سليمان فرنجية”، وفق وصفها.
كذلك فان قائد “القوات”سمير جعجع قال في حديث صحافي اليوم “سنحرم المجلس النيابي من النصاب لمنع انتخاب مرشح «حزب الله».
إلا أنّ نفي “القوات” لم يكن كافيًا لتهدئة “التوتر” الذي رُصِد على خط ميرنا الشالوحي، حيث هاجمت أوساط “التيار الوطني الحر” بشدّة جعجع، ملمّحة إلى أنّه “يقول عكس ما يضمر”، ما يطرح علامات استفهام بالجملة عن دوافع “الحملة العونية” على “القوات”، ولكن قبل ذلك، عن حقيقة الأنباء عن “التسوية” التي تشير التسريبات إلى أنّها تحظى بـ”غطاء فرنسي”، حيث قيل إنّ باريس هي من تقودها؟!
“محاولة إحراج”؟
رغم البيان الواضح الذي أصدرته “القوات اللبنانية”، وكلام جعجع اليوم ، يواظب “العونيون” على توجيه “السهام” لجعجع ، ما أوحى بوجود “نقزة” لدى “التيار” من احتمال انخراط الأخير في أيّ “تسوية رئاسية” لا تراعي مصلحتهم، خصوصًا بعدما شعر رئيس “التيار” الوزير السابق جبران باسيل أنّ “الفيتو” الذي رفعه في وجه فرنجية لم يحدّ من اندفاعة “حزب الله” في تأييده، وأنّ موافقته لم تعد شرطًا في “معايير” الحزب الرئاسية.
وتؤكد أوساط “التيار” بشكل أو بآخر وجود مثل هذه الهواجس، حيث تستعيد وقائع تاريخية لتقول إنّ “انقلاب” جعجع أكثر من وارد، “فهو الذي كان ضدّ اتفاق الطائف ثمّ قدّم كل التنازلات لتمريره”، وفق توصيف هذه الأوساط، وهو أيضًا الذي طيّر اقتراح قانون اللقاء الأرثوذكسي الانتخابي القاضي بانتخاب كل طائفة لنوابها، بعدما كان قد أبدى تأييده له، ما يجعل النفي برأي هذه الأوساط “لزوم ما لا يلزم”، لكونه لا يقدّم ويؤخّر شيئًا.
وإذا كانت هواجس “التيار” تنطلق تحديدًا من تصريحات سابقة لجعجع قال فيها إنّه لن يعطّل النصاب سوى لبضع جلسات، قبل أن يذعن للأمر الواقع، في حال نجح فرنجية أو غيره بتأمين الأصوات اللازمة، فإنّ العارفين يضعون “الحملة غير البريئة” في إطار “محاولة إحراج” الرجل من جانب “التيار”، استباقًا لأيّ موقف عملي يمكن أن يأخذه، خصوصًا إذا ما خضعت المسألة كالعادة لبازار المزايدات والشعبوية المتحكّم بكل الاستحقاقات.
ماذا تقول “القوات”؟!
لا تستغرب الأوساط المحسوبة على “القوات” حملة “التيار” عليها، فالأخير لا يتقن برأيها سوى “شيطنتها” في الفترة الأخيرة، بعدما فقد “الحصانة” التي كان يوفّرها له “حزب الله”، ولم يجد أيّ بديل مستعدًا لاحتضانه أو وضع يده بيده، وهي تلفت إلى “استماتة” باسيل في هذا الإطار للانخراط في حوار مسيحي شامل، أو مع “القوات” خصوصًا، في مسعى ترفض الأخيرة التجاوب معه، انطلاقًا من التجربة المُرّة وغير المشجّعة.
وفيما ترفض أوساط “القوات” التعليق على مضمون الحملة، الذي لم يحمل جديدًا يُبنى عليه، يرى بعض المؤيدين لوجهة نظرها أنّ تصريح جعجع الذي تحدّث فيه عن النصاب تعرّض للكثير من التحريف والتأويل، علمًا أنّ “الحكيم” كان واضحًا بحديثه عن وجوب إعادة النظر بالنظام برمّته، إذا ما نجح “حزب الله” في تأمين الأكثرية لمرشحه، كما أنّ كلام جعجع اليوم جاء مغايرا، فما كان يسري قبل الفراغ لم يعد كذلك.
لكنّ “المفارقة” التي يتوقف عندها هؤلاء، فتكمن في أن “يعيّر” التيار “القوات” بموقفها من “التسويات”، متناسيًا “التسوية الأشهر”، وربما “الأسوأ”، التي أوصلت العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية قبل ستّ سنوات، بمباركة “القوات” التي وافقت عليها بموجب “تفاهم” توصّلت إليه مع “العونيين”، سرعان ما “انقلب” عليه باسيل، من دون أن يحقق شيئًا من مضمونه، بل من دون أن يحترم توقيع “الجنرال” عليه بالحدّ الأدنى.
بـ”المزايدات” إذًا، يحاول “التيار الوطني الحر” قطع الطريق على “التسوية المزعومة” التي يُحكى عنها، رغم أنّ “العهد” الذي يتفاخر به كان أساسًا نتاج “تسوية” شبيهة. لكن، سواء صحّت المعلومات عن هذه التسوية أم لم تصحّ، وسواء كانت مطروحة بالفعل على طاولة النقاش أم لا، يبقى الأكيد أنّ موقف “التيار” منها يُظهِر أنّه في أزمة حقيقية، فحلفاؤه تخلوا عنه، وخصومه يرفضون وضع يدهم بيده بالمطلق!