كتبت آمال خليل:
في بداية خمسينيات القرن الماضي، بدأت السيجارة الغربية بغزو السوق اللبناني. جذبت مستهلكي السيجارة الشرقية بسبب مذاقها الأقلّ حدّة. ورغم تصنيع «الريجي» للسيجارة اللبنانية «سيدرز»، بقيت «مالبورو» و«كانت» و«جيتان» وزميلاتها، الأكثر مبيعاً والأغلى سعراً. إلا أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة، تحكّمت بمزاج المدخنين، حتى صارت «السيدرز» هي الأكثر مبيعاً.
في محل ناصر بيضون لبيع السجائر في سوق صيدا، لا ينقطع صدى سؤال: «بكم هذه السجائر؟». يتوالى مرور الزبائن الذين يستفسرون عن أسعار السجائر، لارتباطها بسعر صرف الدولار. بورصة الأسعار فرضت تغييرات، ليس في حجم المبيع لدى بيضون فقط، بل في طبقات المدخنين وطلباتهم.
«أعطني أرخص نوع»، طلبت إحدى السيدات من البائع. زوجها اعتاد تدخين سيجارة «ونستون» الأميركية منذ أكثر من ستين عاماً. لكنّ وصول سعر العلبة إلى 120 ألف ليرة، يستهلكها يومياً، أجبره على التحوّل إلى أنواع أرخص. «لم يحتمل سيجارة السيدرز لأنها ثقيلة، رغم أن سعر الكروز الذي يحتوي على 12 علبة يبلغ 350 ألف ليرة». بالمفرق، باتت تشتري له أنواعاً جديدة «لم أحفظ أسماءها. وفي كلّ مرة أغيّر النوع».
لم يقلع أحد عن التدخين
مثل كثيرين، ظنّ بيضون الذي يبيع السجائر منذ خمسين عاماً، أن ارتفاع أسعار السجائر قد يُجبر زبائنه على الإقلاع عن التدخين. خفّت الحركة، لكن لم يتراجع عدد الزبائن. «هناك من كان يحضر يومياً لشراء أكثر من علبة، لكنه صار يكتفي باستهلاك علبة كل أسبوع. وهناك من كان يشتري السجائر المستوردة بالمفرق من أيّ دكان، صار يقصد أمثالي ممن نبيع بالجملة لتوفير بضعة آلاف ليرة». لكنّ القاسم المشترك بين تجّار الجملة أن «السيدرز أكلت السوق». لماذا؟ «الدولار رماهم على المرّ» يقول بيضون في إشارة إلى مذاق السيجارة الوطنية الحادّ. يشنّ بيضون هجوماً على «الشعب المضروب» الذي لم يتأثر بالأزمة ليقلع عن عاداته السيئة. «جيل بطران لا يكمل يومه إلا بتناول السجائر أو المعسّل، حتى وإن كان لا يأكل أو يشرب بشكل كاف. في السابق، كان عدد زبائني قلة قليلة تقتصر على الرجال الراشدين. لم تكن النساء يتناولن المعسل، اليوم باتت الأم تشتريه لابنتها المراهقة! وكثير من الزبائن الذين يظهر الفقر على هندامهم، تراهم يدفعون ورقة «وان دولار» الممزّقة مقابل علبة «سيدرز أو نوع آخر رخيص».
«دولار الريجي»!
يلمس القيّمون على قسم التجارة في إدارة حصر التبغ والتنباك ارتفاع مبيع سيجارة «السيدرز». الأمين العام للتجارة في «الريجي»، المهندس جورج حبيقة، يجزم لـ«الأخبار» بأن «80% من المدخنين باتوا يستهلكون السيجارة التي نصنعها، منذ بدء الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الأنواع المستورَدة».
يرى حبيقة الذي يشغل منصب عضو مجلس إدارة «الريجي» منذ عام 1973، أن السيجارة الوطنية هي الأجود. بين إنتاجها للمرة الأولى عام 1973 وتطوير المعمل الخاص بـ«الريجي» عام 2015، شهدت صناعتها تفاوتاً، بسبب ظروف الحرب الأهلية والمنافسة الأجنبية وازدهار التهريب ورفع الدعم عن الصناعة الوطنية. «منذ عام 2015، أدخلنا إلى المعمل آلات حديثة، باتت تنتج “السيدرز” بمواصفات عالمية، من لفّ السجائر بحجم موحّد، إلى توضيبها في علب كرتونية ذات نوعية عالية» يقول حبيقة. لكنّ سعرها المدعوم الذي بدأ بـ90 قرشاً عام 1973 وانتهى بـ1500 ليرة عام 2019، جعل الكثيرين يستخفّون بها. «رغم ذلك، لم تنتقم الريجي من الزبائن، بل كافأت من لجأ إلى “السيدرز” بعد الأزمة الأخيرة. وقمنا بتخفيض سعرها من 1500 ليرة، أي دولار واحد بحسب سعر صرف عام 2019، إلى 40 ألف ليرة أي نصف دولار بحسب سعر صرف 2023». هذا السعر ناتج من احتساب نفقات شراء المواد الأولية الخاصة بالإنتاج (احتُسبت بنسبة 35%)، ورسوم الجمارك والضريبة على القيمة المضافة (احتُسبت بـ35%)، والباقي احتُسب كأرباح صافية للإدارة. انعكس ذلك على بيع رئاسات بيع الدخان، أو تجار الجملة، بسعر موزّع بين 33% من سعر العلبة يُدفع بالدولار الطازج بحسب سعر الصرف اليومي، و33% تدفع بشيكات بالدولار، و33% تدفع بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف الرسمي.