لا يُخفى مدى أهمية انتخاب رئيس للجمهورية كمقدّمة لازمة لانتظام عمل المؤسسات الدستورية الأخرى. ولكن ما لا يجب أن يخفى على أحد أن انتخاب رئيس من دون تفاهمات مسبقة على سلّة متكاملة من الإصلاحات سيبقي الوضع على ما هو عليه. وعندما نتحدّث عن تفاهمات لا نقصد بالطبع تكرار تجربة الرئيس السابق ميشال عون، الذي وصل إلى بعبدا، وعلى أكتافه ثلاثة تفاهمات أو تسويات متناقضة في المضمون والتوجهات والأهداف، سواء بالنسبة إلى “تفاهم مار مخايل”، الذي ينازع، أو “تفاهم معراب”، الذي ولد ميتًا بمفاعيله الموقتة، أو “تسوية بيت الوسط”، التي لم تعمّر كثيرًا وأنتجت أزمة في الحكم.
Advertisement
فانتخاب رئيس جديد، أيًّا يكن هذا الرئيس، لن “يشيل الزير من البير”، لأنه لا يملك بطبيعة الحال عصًا سحرية، ولأنه لا يستطيع لوحده أن يجترح الاعاجيب، ولأنه غير قادر بما يملكه من صلاحيات على اخراج البلاد من عنق زجاجة الأزمات المتوارثة والمتراكمة ما لم يلقَ مؤازرة من جميع القوى السياسية الفاعلة، التي يجب أن تقتنع قبل أي شيء آخر بأن تضع مصلحة البلاد في سلم الأولويات قبل مصالحها الخاصة والضيقة، وذلك انطلاقًا من معادلة علمية لا تقبل الشك، وهي أنه في حال الانهيار الكامل والشامل فإن “التسونامي” المنتظر على مستوى تدحرج حجارة “الدومينو” لن يوفّر أيًّا من هذه القوى، وسيطاول في انجرافه جميع الذين سيحاولون الوقوف في وجهه.
ويُقال في المنطق المعاكس إنه بمجرد انتخاب رئيس للبلاد فإن ذلك يعني حكمًا أن الأفرقاء المؤّثرين على الساحة الداخلية قد توافقوا بالحدّ الأدنى على سلّة تفاهمات، ومن بينها الأمور البديهية والطبيعية، وهو ما لا يمكن تجاوزه وفق منطق الأشياء، خصوصًا إذا سلّمنا جدلًا أن مسؤولي الأحزاب والتيارات السياسية قادرون على التفاهم في ما بينهم، أقّله على انقاذ ما يجب إنقاذه قبل انهيار الهيكل على رؤوس الجميع بالكامل.
ومن بين الأمور المفترض أن يتمّ التوافق عليها للمرحلة الآتية، والتي يُفترض أن تكون متلازمة مع الانتخابات الرئاسية، وقبل أي أمر خلافي آخر، وهذا ما يُعرّف عنه بـ “السلّة المتكاملة”، أي أن يصار مسبقًا الى تحديد معالم مرحلة التعافي، من حيث شكل الحكومة المقبلة وتحديد مواصفات رئيسها، ورسم الخطوط العريضة للسياسة التي يجب أن تتبع تباعًا ومرحليًا، ووفق جدولة زمنية للمشاريع، التي يمكن تنفيذها بمساعدة أكيدة من صندوق النقد الدولي، وما يلي هذه الخطوة من مشاريع استثمارية خارجية من شأنها أن تضع البلاد على سكّة التعافي، وذلك عبر ورشة إصلاحية شاملة.
لا يمكن لرئيس الجمهورية وحده أن يحقّق أي انجاز في مسيرة التعافي ما لم تواكبه حكومة مقتدرة وتملك ما يكفي من إرادة تنفيذية، باعتبارها السلطة المنوط بها استنباط الحلول الممكنة والقابلة للحياة، بالتعاون مع رئيس الجمهورية والسلطة التشريعية المطالبة في المرحلة المقبلة بتفعيل عملها التشريعي في المجالات الإصلاحية وتحفيز السلطة التنفيذية من خلال مراقبة أعمالها ومساءلتها، وبالتالي محاسبتها عند الضرورة، باعتبار أن مفتاح الثقة ملك يديها.