لم تعد بيت الفقراء.. البالات في لبنان بالدولار!

4 مارس 2023
لم تعد بيت الفقراء.. البالات في لبنان بالدولار!


 فرضت الأزمة الاقتصادية وتراجع القدرة الشرائية نمطاً جديداً على حياة اللبنانيين، فالأزمة الاقتصاديّة الحادّة طرقت أبواب معظمهم، وأجبرتهم على التخلّي عن أشياء كثيرة أساسية من ضمنها الثياب، التي بات العديد منهم يعتبرها أموراً كمالية وليست اساسية.  

 
 
 هذه التحولات الطارئة على نمط عيش اللبنانيين، دفعت كثيرين للبحث عن سبل بديلة للتكيف، ولعلّ لجوء “فقراء لبنان” إلى أسواق البالة أو الـ “أوتليت”، هو أحد الأدلة الدامغة على ذلك، فبسبب الانهيار المالي، تبحث فئات واسعة من اللبنانيين عن الثياب المستعملة، لستر فقرها المستجد.
تاريخ البالة تعود ظاهرة الثياب المستعملة أو “ثياب البالة”، إلى تاريخ سابق على بداية الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، حيث كانت متاجرها منتشرة في مناطق معينة. لكن اليوم، بدأت هذه المتاجر تتوسّع تدريجياً حتى شهدت إنتشاراً كثيفاً وأصبحت متواجدة في معظم المناطق اللبنانية، مع إشتداد الأزمة وإنهيار القدرة الشرائية. وتعتبر طرابلس من أقدم المدن اللبنانية في هذا المجال، إذ بدأت تنتشر بالاتها في خمسينيات القرن الماضي. 
 
وتشمل البالة الثياب والأحذية المستعملة المستوردة من خارج لبنان. أمّا الـ “أوتليت” ففيها الألبسة الجديدة بماركاتها العالمية، بعضها تشوبه عيوب في التصنيع، وبعضها الآخر تخلّصت منه الشركات العالمية حتى لا يبقى في المستودعات، ويعرف بـ “ستوكات عالمية”.
 
والآن لا يكاد يوجد شارع يخلو من محلات البالات أو الـ “أوتليت”، التي اجتاحت الأسواق، خصوصاً داخل الأحياء الشعبية، الذي لم يعد  لسكانه القدرة على تحمّل الأسعار المرتفعة في المحلات التجارية. البالات تنتفض وترفع أسعارها… تختلف أسعار البالات حسب المنطقة، فـ”بالات” بيروت أسعارها أغلى من “بالات” المناطق الأخرى كطرابلس والجنوب نظراً لارتفاع ايجارات المحال، وفواتير الكهرباء. 
ويختلف سعر القطعة المستعملة من قطعة لأخرى. فالقطع المعلقة مثلاً أمام المحال، أسعارها اغلى من تلك المكدّسة على الطاولة لأنها “أرتب” وفقاً لصاحب احدى البالات في بيروت. 
وخلال جولة لـ” لبنان 24″، لاحظنا ارتفاع أسعار الثياب المستعملة في البالات، فبعد أن كان سعر القطعة يتراوح ما بين 50 و100 ألف ليرة، أصبحت القطعة اليوم تبدأ بسعر 200 ألف ويصل بعضها الى 900 ألف ليرة! 
هذا الارتفاع هو نتيجة استيراد الثياب المستعملة من الخارج بالدولار، فـ “البالات” تعبر بضائعها من مركز جمعها وتوضيبها، ثم مركز تصديرها في الدول الأوروبية والأجنبية، إلى المستوردين والموزعين وتجار الجملة والمفرق، لتصل بعدها إلى المستهلك. 
واستطلع “لبنان 24” خلال جولته على بعض المحال، آراء عدد من الاشخاص من ذوي الدخل المحدود. 
“العتيق مثل الجديد غير مقدور عليه”، هكذا علّقت “فرح” التي اعتادت على شراء ثياب مناسبة لها ولأطفالها، على ارتفاع أسعار الملابس والأحذية. وقالت أيضاً: “مقارنة بالسنوات الماضية، فإن الأسعار باتت تنافس أسعار بعض الملابس الجديدة من حيث الارتفاع”. 
 
من ناحيتها، اشتكت “نزهة” التي تتردد باستمرار الى بالة “الشياح” من ارتفاع الأسعار، وقالت ان “الألبسة المستعملة كانت رحمة للفقراء، لكن هذه الأسعار باتت مناسبة للميسورين فقط”. 
ملابس بـ “الكيلو” واقع الدولار، دفع بالباعة إلى اعتماد البيع بالكيلو، ويختلف السعر أيضاً بين بالة وأخرى.  
في سوق “معوّض”، يباع الكيلو في بعض محلات البالات بـ 400 ألف ليرة. أما في سوق “الرحاب”، فـ “الكيلو” بـ 300 ألف ليرة. 
 ويعتبر أحد أصحاب المحال في المنطقة أن “الشراء بالكيلو أفضل من ناحية السعر، حيث يتم تسعير كيلو البالة بقلب بعضه”، مشيرا الى أن “الكيلو يضم في بعض الأوقات أكثر من 4 قطع، ويكون بسعر قطعة جديدة”.  لم تعد بيت الفقير! 
 
 في لبنان لا مهرب من تأثير الدولار حتى على الملابس المستعملة، فقد حرم الدولار الكثيرين من شراء الثياب من البالة التي كانت بيت الفقير، فأغلب المحلات سعّرت بالدولار الأميركي، أو تفكّر في ذلك. أما الـ “أوتليت” التي يقصدها أصحاب “البرستيج” الباحثين عن موديلات مميّزة وماركات عالمية، لباتت فقط لأصحاب المعاشات العالية، فسعر القطعة “البسيطة” التي تبدو قديمة يترواح بين 5 أو 6 دولار، أما الجديدة صاحبة “الستايل” الحديث، ليبدأ سعرها ب 20 دولار.  بات أمر شراء الملابس المستعملة هو الحل الوحيد المتاح لللبنانيين، لكن في ظل ارتفاع الأسعار، سيصبح الفقر واقعاً ملموساً أكثر، فمن سيشعر بالفقير؟