كتب صلاح سلام في” اللواء”: من المحزن أن تتحول عمليات إنتحار الشباب إلى ظاهرة مقلقة في حياة اللبنانيين، بعد الإرتفاع السريع لمعدلات الإنتحار في الأشهر الأخيرة، وإقدام أربعة شباب على التخلص من عذاباتهم اليومية بقتل أنفسهم خلال أسبوع واحد، بعد عجزهم عن تأمين لقمة العيش الكريمة لعيالهم، وبينهم أطفال يحتاجون إلى وجبات الحليب، التي حلقت أسعارها مع قفزات الدولار المستمرة بسرعة ألفية يومياً.
شباب في عمر الورود إفترستهم الأزمات النقدية والمعيشية بوحشية تجاوزت كل المقاييس الإنسانية، لأن المنظومة السياسية الفاسدة التي نهبت وسرقت، ثم عجزت عن التصدي للإنهيارات المتراكمة، مازالت تمارس سياسة الإنكار للجحيم التي أوصلت إليه البلاد والعباد، وتتصرف وكأن البلد بألف خير، ومازال يتحمل ترف الخلافات الحزبية والفئوية والشخصية، وما يواكبها من تعطيل مزمن للمؤسسات الدستورية، من رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب وصولاً إلى مجلس الوزراء، ولو أدى كل ذلك إلى تدحرج الأوضاع الحياتية في البلد إلى أسفل قعر في جهنم.
الشباب الذين لم يتمكنوا من مغادرة البلد للعمل في الخارج، سُدّت أبواب العمل في وجوههم، وزرعت الخلافات المعقدة بين الأطراف السياسية اليأس في نفوسهم، بعدما أيقنوا أن الإنقسامات العامودية الراهنة تزيد الصراعات تعقيداً، وتمدد الشغور الرئاسي وتداعياته السلبية على المؤسسات الدستورية، مما يعني أن الخروج من النفق الحالي بات من الصعوبة بمكان، في ظل العجز المتفاقم لأهل السلطة، وغياب المعالجات الجدية لمتطلبات الإنقاذ.
المفارقة أن مآسي الإنتحارات تتنقل بين منطقة وأخرى، وهي ليست وقفاً على بيئة معينة، أو مقتصرة على أبناء طائفة محددة، مما يؤكد أن معاناة اللبنانيين واحدة، وأن مضاعفات الأزمات المدمرة لا تُفرق بين طائفة وأخرى، ولا بين منطقة وأخرى، في حين أن الخطابات الشعبوية لأكثر من طرف سياسي تنفخ على نار الطائفية والمناطقية، وتزرع مشاعر الحقد والكراهية بين أبناء القرية الواحدة والحي الواحد، وأحياناً بين أبناء العائلة الواحدة.
فهل يترجل أهل السياسة من أبراجهم العاجية، ويتحسسون مآسي ناسهم؟