صدر عن امين عام المدارس الانجيلية نبيل قسطه، التالي:
للمرّة الأولى لم يعُد العيدُ عيداً ولو كان عيداً باهتاً. باتَ محطّةً. إنّها محطّةُ انطلاقٍ لا انتظار لا محطّة توقٌّع. المعلّم وصل إلى وضعٍ غير مقبول. مدارسُنا العريقة تخسرُهم واحداً تلو الآخر. تراهم يتركون التعليم كمهنةٍ، أو يرحلون إلى الخليج، أو يهاجرون إلى بلاد الغُربة. إذا بقي الوضع كذلك، ستصل المدارس إلى حالةٍ يكون فيها الجوُّ الثقافي عند التحاق الولد بها غير الجوّ الثقافي عند تخرّجه منها. كانت المدارس تُعاني من نسبِ التسرّب المدرسي عند التلاميذ. باتت الآن تُعاني من ارتفاع نسب تسرّب المعلّمين والمعلّمات. لذا التحرّك مطلوبٌ والآن إنّما على مراحل وبتعقُّل.
في الواقع القريب، يشكّل توفير عائدٍ متحرّكٍ لنفقات النقل حقّاً محتوماً للمعلّم لا مجال للنقاش فيه، ومن شأن هذا العائد أن يُغطّي كلفة الانتقال إلى المدرسة كاملةً. ويشكّل تعويض ما خسره المعلّم من قيمة مدخوله منذ شهر أيلول حقّاً مُكتسباً يُضاف إلى موازنة السنة الدراسيّة الحاليّة. وهذا ما فعلَتْه بعض المدارس مشكورةً بدعمٍ من لجان الأهل فيها ولها كلّ التقدير.
وفي المدى المتوسّط، من الضروري أن نضع نصب أعيُننا نسبةً مئويّة معيّنةً لقيمة مدخول المعلّم ممّا كان عليه سابقاً، إبتداءً من العام 2023-2024. تتصاعد هذه النسبة تدريجاً على عددٍ مُحدّد ومُعلن من السنوات على طريق العودة إلى ما كان عليه قبل الأزمة. بناء على هذا التوجّه، تحدّد المدارس موازناتها وبالتالي أقساطها. ليست دولرة الأقساط هي الهدف. الحفاظ على القيمة هو الهدف، على أن يكون الأمر تصاعديّاً ورؤوفاً بغير القادرين، وأن يتطلّب في المقابل من المعلّمين واقعيّةً وصبراً إضافيّين، لكن من ضمن خطّة غير متسرّعة ولا متباطئة وواضحة الأهداف هذه المرّة. أيُّ ذريعةٍ تنادي بتفهّم أوضاع الأهل، يكون هدفها عدم إنصاف المعلّم ولو جزئيّاً ستكون غير ضروريّة في هكذا خطّة. أعمال الرحمة لا تعني أن تكون مُتفهّماً لأوضاع التلاميذ وأهلهم فقط، بل أن تكون مُعتنياً بأوضاع المعلّمين أيضاً، وهُم الذين يُعيلون سبعين ألف عائلة في المدارس الخاصّة. ضحّى المعلّمون كثيراً في السنوات الأربع الأخيرة. ما هو مطلوبٌ من المعلّمين الآن لم يعُد تضحيةً. بات، إذا استمرّ الوضع كذلك، مُطالبةً بالتضحية بالكرامة وعزّة النفس. هذا غير مقبول ويجب ألا يكون مطلوباً.
أعمال الرحمة هيَ أن تُحمّل من هو قادرٌ من الأهل جزءاً ممّا كان يتحمّله سابقاً، وأن ترفد المحتاج في المدرسة بجزءٍ من القسط. أعمال الرحمة لا تتمثّل في جعل من هو قادر ومن هو غير قادر تسديد القسط عينه، مع العلم أنّ كليهما لا يُسدّدان ممّا كان عليه القسط قبلاً سوى نسبة لم تتجاوز الخمس والعشرين في المئة لهذه السنة. النكران لا يُفيد. هو لا يُسمن ولا يُغني عن جوع. الوضع ضيّق على الجميع. يتوقّف الموضوع على نظرة الأهل إلى التعليم. هل ينظرون إليه كاستثمار أم ككلفة؟ هو استثمار. لا يمكنك أن تستثمر في مشروعٍ مع شريك مُفلس. المعلّم بات مُفلساً معنويّاً وحتّى مادّياً. قَبِلنا جميعاً تدريجاً بعودة كلّ الخدمات والمُنتجات إلى قيمتها أو كلفتها الأصليّة. خدمةٌ واحدةٌ فقط نرفض عودة كلفتها إلى ثلث ما كانت عليه، هي خدمة التعليم. لا يُحاجج أحدٌ منّا لا على محطّة بنزين ولا في متجرٍ ولا في مستشفى حتّى. لكن، عندما يتعلّق الأمر بإراحة المعلّم ولو جزئيّاً، تشعر وكأنّك تُقارب المحرّمات. في هكذا مواقف، لا عدالةٌ ولا إنصاف.
لذا العيد هذه السنة ليس عيداً. هو محطّة. محطّة انطلاق لا انتظار. فرصة انطلاقٍ نحو تحمّل مسؤوليّة أكبر من الأهل والمعلّمين وإدارات المدارس. لا يجوز أن يحمل المعلّم وحده مسؤوليّة ما يجري. لقد استُنزِف.