عندما أعلن الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله دعم ترشيح رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية اعترف في شكل واضح أن لا أحد من القوى السياسية المتخاصمة قادر على تأمين الظروف الطبيعية لانتخاب مرشحه لرئاسة الجمهورية. وما ينطبق على الآخرين ينطبق بالتأكيد على المحور السياسي، الذي يرأسه “حزب الله”. وهذا يعني في ما يعنيه أن نصرالله، وبعد “خطأ” الورقة البيضاء، وقع في “خطأ” المحور السياسي الآخر، وعلى رأسه “القوات اللبنانية”، التي كانت تعرف منذ اللحظة الأولى لترشيح النائب ميشال معوض أنها غير قادرة على تأمين الظروف الطبيعية لفوزه. وهذا ما تأكد لها خلال إحدى عشرة جلسة انتخابية، حيث لم تتمكّن “الجبهة السيادية” من تأمين الأصوات الكافية لتأهيل مرشحها إلى الدنو من عتبة الخمسين نائبًا.
وكما أن “القوات اللبنانية” لم تفلح في رفع أسهم معوض حتى داخل محور المعارضة فإن “حزب الله” يعرف تمامًا أن ليس في مقدوره تأمين ما يكفي من الأصوات، التي تؤهّل فرنجية لتخطّي عتبة الـ 65 صوتًا. وحتى لو استطاع “المحور الممانع” تأمين هذه الأصوات فإن هاجس الثلث المعطِّل يلاحق الجميع، خصوصًا بعدما أفتى نصرالله بأن من حق كل نائب أن يقاطع أي جلسة انتخابية. وهذا ما ستقدم عليه “القوات” بعدما تراجع رئيسها الدكتور سمير جعجع عن موقفه القديم، والذي كان يعتبره قمة في ممارسة الديمقراطية الحقيقية وبأبهى صورها. لكنه اكتشف أن ممارسة هذه الديمقراطية وبهذه الطريقة المثالية هي ضرب من ضروب “الغشمنة”، إذ لا يُعقل تأمين الظروف الملائمة لخصمك لكي يهزمك بـ “النقاط”، وإن كان هذا النوع من الهزيمة هي بمثابة “الضربة القاضية” في المفهوم السياسي.
ولأن السيد نصرالله يعرف هذه الحقيقة، وإن كانت صادمة، لجأ إلى “الخطة باء”، على رغم نفيه وجود مثل هذه الخطّة عندما سأله رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، في “لقاء بداية الخلاف”، عن “الخطّة باء”. وكان جوابه له مبهمًا عندما قال له “إننا تعلمّنا من فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون بعدم وضع ما يُسمّى “الخطة باء”. وإذا أجيز لنا أن نفتح هلالين فنقول ربما إنه بسبب عدم وجود “خطة باء” لدى الرئيس عون قد أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه.
فـ “الخطة باء” بالنسبة إلى نصرالله هي بالذهاب إلى “حوار رئاسي” يكون الهدف منه التوصل إلى اتفاق ما أو إلى تسوية رئاسية لا يموت فيها الذئب ولا يفنى الغنم، أي بمعنى آخر التوافق على اسم وسطي لا يكون مستفزًّا لأي مكّون سياسي، أي أنه سيكون مديرًا للأزمة، التي لم يحن وقت انفراجها بالكامل، إلاّ إذا احسن اللبنانيون، جميع اللبنانيين، استثمار الاتفاق السعودي – الإيراني لدفع الأمور نحو خواتيمها المرجوة، والتي تتمثّل بانتخاب رئيس توافقي، أو بالأصح وفاقي، يكون مقدمة لانتشال لبنان من عمق أزماته المستعصية.
وقد تكون هذه الدعوة إلى الحوار من قِبَل السيد نصرالله بمثابة خطوة متقدمة نحو منتصف الطريق، ولكنها تبقى خطوة ناقصة إذا لم يبادر الطرف الآخر إلى خطوة مماثلة. وهذا يعني في “التقريش السياسي” أن “حزب الله” يتخّلى عن ترشيح فرنجية كما أن “القوات اللبنانية” تتخّلى بدورها عن ترشيح النائب معوض، مع الأخذ في الاعتبار موقع الأطراف السياسية الأخرى، ومن بينهم بالطبع كتلة فرنجية وكتلة “لبنان القوي” وكتلة “اللقاء الديمقراطي” و”النواب التغييريين” والنواب المستقّلين والنواب السنّة.
من هنا تكون البداية. ولا بداية لأي حلّ سوى بتفاهم اللبنانيين بين بعضهم البعض، ووضع مصلحة بلدهم فوق أي اعتبار، وقبل أي مصلحة أخرى، أكانت خارجية أم داخلية.