رهانات مضادة.. هل يؤثر التقارب السعودي الإيراني على حظوظ فرنجية؟!

13 مارس 2023
رهانات مضادة.. هل يؤثر التقارب السعودي الإيراني على حظوظ فرنجية؟!


ما إن أعلن عن التوصل إلى اتفاق بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ سنوات، برعاية صينية لافتة، حتى بدأت التكهّنات في لبنان عن “انعكاسات” المستجدّ الإقليمي على الاستحقاق الرئاسي في لبنان، خصوصًا أنّ معظم الفرقاء، باختلاف انتماءاتهم، أجمعوا على الترحيب بالاتفاق، الذي يشكّل خطوة “نوعية” لا بدّ أن تكون لها تأثيرات في المنطقة بصفة عامة.

وعلى رغم الحديث الدائم عن وجوب “لبننة” الاستحقاق الرئاسي، بعيدًا عن أيّ رهانات تُصنّف على أنّها “غير مجدية” على الخارج، ثمّة من استبشر خيرًا بالاتفاق السعودي الإيراني، باعتبار أنه يمكن أن يشكّل “وصفة سحريّة” للتفاهم بين اللبنانيين، نظرًا للثقل الذي تتمتّع به كلّ من السعودية وإيران على الفريقين المتصارعين بشكل خاص، واللذين يشهران سلاح “التعطيل” في وجه بعضهما البعض، من خلال “تطيير النصاب”.بهذا المعنى، تفاءل الكثيرون خيرًا بأنّ الاتفاق السعودي الإيراني يمكن أن ينعكس لبنانيًا، على مستوى انتخابات الرئاسة، التي يمكن أن تُنجَز بالنتيجة في غضون أسابيع قليلة، أو ربما أيام، بعد “الزخم” الذي شهده الاستحقاق في الأسبوع الماضي، لكن، هل مثل هذا التفاؤل في مكانه؟ ولماذا تبدو الرهانات مضادة، بل متناقضة؟ وكيف يؤثر التقارب السعودي الإيراني على حظوظ رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، إن وُجِد هذا التأثير؟قراءات “حسب المصلحة”إذا كان اللبنانيون أجمعوا على الترحيب بالاتفاق السعودي الإيراني، وعلى توقع انعكاسات “إيجابية” له على الساحة اللبنانية، ولو كانت مؤجّلة بعض الشيء، فإنّهم انقسموا على قراءة “شكل” هذه الانعكاسات، حيث اختار كلّ فريق أن “يوجّهها” وفق مصلحته، وهو ما أوحى بأنّ “المراوحة” لا تزال سيّدة الموقف في الملف الرئاسي، طالما أنّ كلّ فريق يصرّ على مقاربته وفق أهوائه، بعيدًا عن أيّ “تفاهم” حقيقي على “سلة متكاملة” أو غيرها.في هذا السياق، جاءت قراءة مؤيدي ثنائي “حزب الله” و”حركة أمل”، الذي سبق أن أعلن تبنّيه ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ميّالة لاعتبار أنّ الاتفاق السعودي الإيراني من شأنه أن “يسرّع خطى” الأخير نحو قصر بعبدا، باعتبار أنّه سينهي الحديث عن “فيتو سعودي” يعتبر هؤلاء أنّه لم يكن موجودًا أساسًا، وكلّ ما أثير في هذا الصدد لم يكن أكثر من “اجتهادات صحافية” لا تمتّ للموقف الرسميّ بأيّ صلة، من قريب أو من بعيد.في المقابل، أتت قراءة خصوم “حزب الله”، والرافضون لترشيح فرنجية، في الاتجاه “المعاكس” تمامًا، حيث اعتبروا أن “النتيجة المباشرة” لأيّ تسوية بين الرياض وطهران، إن صمدت ووصلت لخواتيمها، ستكون البحث عن رئيس “يقف في الوسط”، بعيدًا عن ايّ مرشح يمكن أن يرى فيه أيّ فريق “تحديًا أو استفزازًا للآخر”، بمعنى أنّ فرنجية سيكون من “التنازلات” التي سيقدّمها الفريق المحسوب على إيران لإثبات “حسن نواياه”.أين لبنان من التسوية؟لكن، بين هذه القراءة وتلك، ثمّة من يرى أنّ الأمور لا تُقاس بهذا الشكل، أولاً لأنّ لبنان ليس لغاية الآن “بندًا رئيسيًا” على طاولة الحوار بين السعودية وإيران، التي يتصدّرها الملف اليمني من دون منازع، كما يؤكد المتابعون، والذي يتوجّب التوصل إلى إطار اتفاق بشأنه، قبل بحث غيره من الملفات المتفجّرة في المنطقة، حيث يبقى لبنان ملفًا ثانويًا، في ضوء موقف المجتمع الدولي الذي لا يزال يرمي الكرة في ملعب القادة اللبنانيين أنفسهم.وفيما يرى بعض هؤلاء أنّ الحديث عن “التسوية” بين السعودية وإيران أخذ أكبر من حجمه، وربما “ضُخّم” في مكان ما، مع الإيحاء وكأنّ التسوية قد اكتملت بكلّ فصولها، يشيرون إلى أنّ ما حصل على أهميته الاستثنائية، لا يُعدّ سوى الخطوة الأولى في مسار طويل، ما يعني أنّ البناء عليه لبنانيًا سابق لأوانه، علمًا أنّ أحدًا من الخارج ليس جاهزًا للقيام بما يتوجّب على اللبنانيين القيام به، سواء “بالوكالة”، أو حتى “بالأصالة” عنهم.وفي النتيجة، يشير هؤلاء إلى أنّ المطلوب من اللبنانيين اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، التمسّك بمبدأ “لبننة” الاستحقاق الرئاسي، لأنّ أيّ “تفاهم” لبناني داخلي يمكن التوصّل إليه الآن سيكون “محصَّنًا” من الخارج، بقوة الاتفاق السعودي الإيراني الذي سيعطيه دفعًا وديناميكية يحتاج إليهما، لكنّ ذلك يتطلب بالدرجة الأولى إرادة حقيقية من اللبنانيين أنفسهم، تشترط قبل كل شيء فتح قنوات التواصل والحوار، خلافًا للواقع اليوم.لا شكّ في أنّ الاتفاق السعودي الإيراني، بالشكل قبل المضمون، سينعكس إيجابًا على الوضع في المنطقة ككلّ، ولبنان جزء منها طالما أنّه ليس جزيرة معزولة، لكنّ ما لا شكّ فيه أيضًا أنّ هذا الاتفاق، على استثنائيته وحساسيته، لا يعفي اللبنانيين من الواجبات المترتبة عليهم، فإنجاز الاستحقاق الرئاسي هو مسؤوليتهم بالدرجة الأولى، على أن يكون الخارج “داعمًا” لأيّ مسار جديد، متى لبّى متطلبات المجتمع الدولي “الإصلاحية” التي باتت معروفة.