بوضوح.. هذا ما تريدهُ السّعودية من لبنان بعد اتفاقها مع إيران

14 مارس 2023
بوضوح.. هذا ما تريدهُ السّعودية من لبنان بعد اتفاقها مع إيران


صحيحٌ أنّ منسوبُ التفاؤل ازدادَ في لبنان بعد التقارب السعودي – الإيرانيّ المُستجد مؤخراً، إلا أنه قد لا يكونُ الحلّ لأيّ مشكلة داخليّة وتحديداً الأزمة المُستعصية على الصعيد الرئاسي. حُكماً، هذا الأمرُ باتت تتلقفه جهاتٌ داخلية لبنانية عديدة، وقد وصلت رسائل مُؤخراً إلى أطراف سياسية أساسيّة مضمونها أنّ ما حصلَ بين الدول لا يعني أن لبنان سيكون بمنأى عن الإيفاء بالتزاماته، كما أن الإتفاق الذي جرى لن يكون لبنان محوره، فالأمور التي تبحث بها إيران مع السعودية أبعد بكثير، وترتبط بمصلحة أمنٍ قومي وعسكري وأمني واقتصاديّ في منطقة الخليج أولاً وأخيراً. أما الأمر الأهم فهو أنّ الإتفاق الذي تمّت حياكته على مدى فترةٍ طويلة، لم يشمل أي مسار لتسوية في مكانٍ آخر، كما أنّه لم يُلغِ الاختلافات بين الطرفين في ساحات عديدة أبرزها لبنان.
 
آخر رسائل سعودية
وأمام كل هذه المشهديّة، تأتي زيارات السفير السعودي وليد البخاري يوم أمس، والتي يستكملها اليوم، لتؤكد أن ما تريده السعودية بشأن لبنان لم يتبدّل أبداً رغم الإتفاق الذي حصل. فالبخاري التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، والرسالة التي حملها إلى الطرفين هي واحدة، وأساسها أن المملكة لا تتدخل في تسمية أي رئيس للجمهورية، بل هي تؤيّد وصول رئيسٍ نزيه وبعيد عن الفساد ويضمن إنجاز الإصلاحات. والمُفارقة هنا هي أنّ خطاب السعودية بشأن لبنان لم يتبدّل أبداً بعد الإتفاق مع إيران، الأمر الذي يدلّ على أنّ جولة البخاري الأخيرة حملت السياق نفسه الذي برزَ في جولات سابقة، ما يعني أنّ التقارب بين السعودية وإيران لم يبدل في الملف اللبناني شيئاً، بل على العكس زاد من مسؤولية الأطراف الفاعلة فيه للمسارعة باتجاه تهيئة الظروف واللحاق بأي تسويةٍ قد تحصل، لأنَّ التغيرات ستكون ضخمة بعد مسارات معقدة عمرها سنوات.
ما يُمكن قوله اليوم هو أنّ لبنان قد يرتاحُ جزئياً من منسوب “الحدّية” على صعيد السّاحة الإقليمية، لكن ما يجب على الجميع معرفته هو أنَّ الإنفتاح السعودي – الإيراني لن يُبدّد ما هو مطلوب من لبنان، سواء على الصعيدين السياسي أو الأمني وأيضاً على الصعيد الإقتصادي. هنا، يجب النظرُ قليلاً إلى ما تريده المملكة العربية السعودية من الأطراف السياسية مُجتمعةً والأساس هنا الالتزام بما أسّسهُ اللقاء الخماسي الذي عُقِد في باريس من أجل لبنان قبل مدّة قصيرة، وخلاله وُضعت الأسس المرتبطة بالأخير على السكّة بوضوح. إلا أن الأمر الأهم أيضاً هو أنَّ السعودية ما زالت عند رؤيتها بشأن لبنان، فهي لم تُبدّل نظرتها بشأن الوضع القائم هنا، كما أنها لم تتنازل عن مطالبها العديدة وأبرزها عدم تحوّل لبنان إلى منصة لتهديد أمنها. وعليه، فإنّ بيروت مُلزمة أكثر من أيّ وقتٍ مضى الالتزامَ بمضمونِ المطالب السعودية، وبالتالي عليها الإستثمار بما أتيح من سبل سياسية أمامها في سبيل تعزيز علاقاتها مع دول الخليج أكثر فأكثر وسط “التقارب القائم”، وبالتالي الإنضمام إلى التسوية الشاملة التي ستقدّم سلسلة من الحلول المنتظرة لا محالَ.
“إستفادة أساسية” من الإتفاق
وبمعزلٍ عمّا ينتظره لبنان من تغيّراتٍ سياسيّة، فإنّ الإستفادة الأساسية التي جناها لبنان من الإتفاق الأخير ترتبطُ بأمرٍ واحد وهو أنّ الجهات التي كانت تسعى للتحريض وإستغلال الخلاف السعودي – الإيراني وتسييله سياسياً في لبنان، باتت الآن “صامتة” وبعيدة عن المشهد. وبذلك، فإنَّ شبح التوتر بسبب هؤلاء قد تبدّد بشكل كبير، فـ”الشمّاعة” التي كانوا يرتكزون عليها للتحريض باتت مفقودة، في حين أن ما فعلته السعودية اليوم من تقاربٍ مع إيران يؤكّد أن رؤيتها هي التهدئة في المنطقة وإخماد النيران المندلعة بها، وبالتالي الإتجاه نحو رسم خارطة جديدة بتسوية تُنهي ملفات عالقة عمرها سنوات مثل الحرب السورية.
وعملياً، فإنه في حال سلكت السعودية الطريق نحو إرساء نهاية للصراع في سوريا عبر الإنفتاح على “النظام” هناك، عندها فإنّ لبنان سيرتاحُ من عبء كبير حمله منذ بداية الحرب في سوريا عام 2011 وحتى اليوم. أما الأهم فهو أنّ لبنان لن يحصد ثمار الإتفاق السعودي – الإيراني إلا في حال حصول تقاربٍ سعودي – سوري علني، ما يعني تأسيساً جديداً لمعادلة “سين – سين” التي أثرت على مسارات السياسة في لبنان خلال السنوات الماضية. وهنا، فإنّ بوادر الإنفتاح السعودي على سوريا باتت تلوحُ في الأفق، لكن الأمور تحتاجُ إلى تسوياتٍ ضمنية قد تتحقق قريباً وسط وجود اتصالات لا تنتهي بين الطرفين السوري والسعودي.
إذاً، وعلى أية حال، فإنّ المطلوب من لبنان إستكمال ما هو مطلوب منه. وبشكل أساسيّ، فإنّ الإتفاق السعودي – الإيراني الأخير لن يُعفي بيروت من إلتزاماتها بإصلاحات مالية، ولن يجعلها بمنأى عن إتمام ما هو مطلوب في سبيل حماية أمن الخليج.. وبالتالي، فإن المسؤولية كبيرة، وثمارُ “التقاربات” الأخيرة لن تظهر إلا لاحقاً وليس الآن…