الرهبنة البلدية… هذه هي رسالتها

16 مارس 2023
الرهبنة البلدية… هذه هي رسالتها

 في بدايات الحرب اللبنانية، اضطرت الرهبانية اللبنانية المارونية، رهبنة القديسين، لأن تلعب دورًا متقدّمًا في الحياة السياسية اللبنانية، يوم كان الأباتي شربل قسيس من بين مؤسسي “الجبهة اللبنانية”، التي كانت تضمّ الزعماء الموارنة وكبار المفكرين المسيحيين المشرقيين، ومن بعده تولّى الأباتي بولس نعمان هذه المهمة، وكان له دور كبير في ترشيح الشيخ بشير الجميل لرئاسة الجمهورية. هذا الدور لعبته الرهبانية اللبنانية من خلال الدور المحوري لجامعة الروح القدس – الكسليك، التي كانت لها مساهمات وطنية رائدة في تعميم ونشر الثقافة الوطنية القائمة على مبادئ الحرية والكرامة. وكان للمنشورات التي كانت ينشرها رهبان متخصّصون في التاريخ تحت مسمّى “سلسلة القضية اللبنانية” أهمية كبرى، وبالأخصّ لدى الشبيبة، الذين كانوا يفتقرون إلى ثقافة واسعة عن تاريخ “المقاومة اللبنانية” عبر التاريخ، وبالأخصّ ما يتعلق بمجريات الأحداث في أواخر القرن التاسع عشر. 

 
ولكن، وبعد اغتيال الرئيس الشهيد بشير الجميل، دخلت الرهبانية المارونية، كسائر الرهبانيات ، مرحلة جديدة من النضال الوطني القائم على أعمال الرحمة، حيث فتحت أديارها المنتشرة في مختلف المناطق لجميع المهجرين، الذين أجبرتهم الحرب على مغادرة قراهم ومنازلهم، وهم من جميع الطوائف. وتركت الشأن السياسي للبطريركية المارونية، خصوصًا بعد انتخاب البطريرك مار نصرالله بطرس صفير خلفًا للبطريرك مار انطونيوس بطرس خريش. فأنضم الرؤساء العامون للرهبانيات المارونيات إلى مجلس الأساقفة والمطارنة الموارنة، الذي تعود له حصرية التعاطي الكنسي بالشأن السياسي. 
 
ومنذ تولي الأباتي نعمان الرئاسة العامة للرهبانية حتى اليوم توالى على الرهبانية رؤساء عامون كثر، وآخرهم الرئيس الحالي الأباتي هادي محفوظ، الذي كانت له إطلالة إعلامية من خلال جولته على رأس مجلس مدبري الرهبانية، على كل من رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، ورئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميل. وقد جاءت هذه الجولة على خلفية عدم إعطاء أي تحرك عفوي تقوم به الرهبانية تفسيرات خاطئة، خصوصًا أن ثمة ميلًا لدى بعض القادة المسيحيين في تصنيف الرؤساء العامين المتعاقبين على رئاسة الرهبانية في خانات سياسية معينة، مع العلم أن ما تقوم به الرهبانية لناحية العمل الروحي والثقافي هو بعيد كل البعد عن العمل السياسي. 
 
ولكي لا ُتعطى جولة وفد الرهبانية تفسيرات خاطئة كان الأباتي محفوظ حريصًا على حصر المحادثات بالشأن الوطني العام، والدور الروحي والثقافي والاجتماعي الذي تقوم به أديرة الرهبانية ومدارسها في مختلف المناطق اللبنانية، وفي بلاد الانتشار. 
 
ففي اتصال مع أحد المدبرين الذين شاركوا في الجولة أكد أن لا خلفية سياسية لهذا التحرك، وهو جاء بعدما لبّى وفد من الرهبانية قبل نحو أسبوعين دعوة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل إلى مأدبة غداء، وكذلك بعد اللقاء الذي جمع الأباتي محفوظ وعدد من الرهبان رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، الذي زار دير مار جرجس في بلدة عشاش، بدعوة من رئيسه، وذلك للتأكيد أن الرهبانية هي على مسافة واحدة من القوى السياسية، وهي تسعى إلى توحيد الكلمة، وتقف خلف بكركي في مساعيها الهادفة إلى تقريب وجهات النظر.   
 
لا شك في أن الهمّ الاقتصادي والمعيشي، الذي يقضّ مضاجع جميع اللبنانيين، كان حاضرًا كطبق رئيسي على مائدة لقائي “معراب” و”الصيفي”. وتم التطرق إلى الدور الذي تقوم به الرهبانية من خلال ما تقدّمه من مساعدات حسب إمكاناتها، مع العلم أن حاجات الناس في هذه الأيام كبيرة جدًّا.