من جولة البخاري إلى زيارة أبو الغيط.. حراك عربي على خط الرئاسة؟!

17 مارس 2023
من جولة البخاري إلى زيارة أبو الغيط.. حراك عربي على خط الرئاسة؟!


على وقع الاتفاق السعودي الإيراني الذي أعلِن عنه قبل نحو أسبوع برعاية صينية لافتة، عاد “النشاط” ليطفو على سطح الساحة اللبنانية، التي يُقال إنّها ستشكّل أحد “انعكاسات” الانفراج الإقليمي المستجدّ، بعد فترة طويلة نسبيًا من الجمود “القاتل”، إن جاز التعبير، خصوصًا في ظلّ قناعة راسخة لدى الجميع بأنّ لبنان ليس جزيرة معزولة، وأنّه لا بدّ أن يتأثّر بتقارب الرياض وطهران، نظرًا للثقل الذي تتمتّع به كلّ من العاصمتين في بيروت.

في هذا السياق، سُجّل ما يمكن وصفه بـ”الحراك العربي” خلال الأيام القليلة الماضية، بدءًا من جولة السفير السعودي وليد البخاري على الأفرقاء، والتي قادته إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري والبطريرك الماروني بشارة الراعي، على أن يستكملها بعد عودته ، وصولاً إلى الزيارة اللافتة أيضًا للأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الذي دعا اللبنانيين إلى استغلال الفرصة والتفاهم على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وبالتوازي مع ذلك، برزت زيارة رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط إلى الكويت، والتي استبقها بتصريحات صحافية ركّز فيها أيضًا على مبدأ “التوافق”، بعيدًا عن منطق “التحدّي”، داعيًا إلى تغليب البعد “الاقتصادي” في مواصفات الرئيس العتيد، ما يطرح العديد من علامات الاستفهام، فهل نحن أمام حراك عربي جدّي في ملف الرئاسة، يكسر مرّة أخرى كل ما يحكى عن “انكفاء عربي” عن لبنان واستحقاقاته كافة؟!

رسائل “ثابتة”

في المبدأ، يقول العارفون إنّ الحراك العربي ينطلق من المبادئ والأولويات نفسها، المُعلَنة منذ أشهر طويلة، بمعزل عن الاتفاق السعودي الإيراني الأخير، الذي لا شكّ سيرخي بإيجابياته على الساحة اللبنانية، لكنّ الرهان على “ترجمة مباشرة” له، كما يحلو للبعض التكهّن، ليس في مكانه بالمُطلَق، خصوصًا في ظلّ تأكيد المعنيّين قبل غيرهم، أن ملفات “متفجّرة” بالجملة تتصدّر الأجندة، وتضع ملف لبنان “على الهامش”، وعلى رأسها حرب اليمن.

في هذا السياق، يشير العارفون إلى أنّ جولة السفير وليد البخاري جاءت لتأكيد الموقف السعودي “المبدئي”، الذي لن يتغيّر بفعل الاتفاق الذي أبرم مع إيران، والذي سيمرّ بمرحلة “تجريبية” لنحو شهرين، وهو ما أبلغه الرجل لمن التقاهم وفق ما أكّدت التسريبات التي توافرت على هامش جولته، وخصوصًا بعد لقائه رئيس مجلس النواب، حيث لفت “تأكيده” ردًا على أسئلة الصحافيين أنّ هناك “إيجابيات” تتعلق بلبنان في المرحلة المقبلة.

وضمن الرسائل “الثابتة” التي حملتها جولة البخاري، تبرز مقاربة المملكة العربية السعودية للاستحقاق الرئاسي، وفقًا للمواصفات التي تنشدها السعودية شأنها شأن غيرها من الدول الصديقة في الرئيس العتيد، بعيدًا عن “لعبة الأسماء” التي حاول البعض جرّ الرياض إليها، وهو ما لم يعكس سفيرها وفق المعلومات، حيث يشير العارفون إلى أنّ الرجل أكد وجوب أن يكون الرئيس ممثلاً للبنانيين عن حق، وقادرًا على إطلاق مسار “الإنقاذ”.

“الفرصة متاحة”.. ولكن!

ويعتقد المتابعون أنّ زيارة أبو الغيط إلى بيروت جاءت من وحي العناوين نفسها، التي أبلغها البخاري للبنانيين، والتي سمعها جنبلاط كذلك من المسؤولين الكويتيين، وقوامها أنّ الدول العربية تعتبر الاستحقاق الرئاسي شأنًا داخليًا محضًا، وهي تريد الاستقرار للبنان، لكنّها لن تنتخب الرئيس بالوكالة عن اللبنانيين، الذين تبقى الكرة في ملعب قادتهم، لينجزوا المطلوب منهم، بالتفاهم والتوافق فيما بينهم.

وإذا كان صحيحًا أنّ ترجمة الاتفاق السعودي الإيراني ليست في متناول اليد، في ظلّ تأكيد كل المعنيين بأنّ انعكاساته ستحتاج بعض الوقت قبل الظهور، فإنّ الأصحّ أنّ الأجواء الإيجابية التي أرخاها لا بدّ أن تترجم على خط الاستحقاق الرئاسي، من خلال الانتقال إلى “مقاربة جديدة”، تبتعد عن جوّ “التحدّي والاستفزاز” الذي طبع السباق إلى بعبدا في المرحلة السابقة، لتقترب أكثر من مناخات التفاهم والتوافق المطلوبة بشدّة.

بمعنى آخر، فإنّ “الفرصة متاحة” فعلاً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في ضوء الاتفاق السعودي الإيراني، لكنّها تتطلّب توافر الإرادة في الداخل قبل كلّ شيء، وهو ما يعني وجوب قبول اللبنانيين بمبدأ “الحوار” بين بعضهم البعض، بالحدّ الأدنى، لأنّ الرئيس لن يُنتخَب من دون حدّ أدنى من التفاهم، في حين أنّ انتخاب الرئيس كما يعمل الجميع، هو المَدخَل لحلّ كلّ الأزمات المتراكمة والمتفاقمة، مع تسجيل الدولار مستويات قياسية غير مسبوقة.

قد لا يكون الحديث عن “حراك عربي” بالمعنى الحرفي للكلمة في مكانه، فالحركة التي سُجّلت في الايام الماضية فيها “بركة”، وتؤكد مرّة أخرى أنّ “قلب” الدول العربية على لبنان، وأنّها غير “منكفئة” فعليًا عن همومه وشجونه، كما يحلو للبعض القول.

لكنّها في الوقت نفسه لا تكفي وحدها، فالمطلوب أن تقترن بجوّ “جدّي” داخلي، يسمح بالتقدّم في ملف الرئاسة وغيره من الملفات “العالقة” بانتظار تفاهم اللبنانيين!