ما يمكن استنتاجه من الدعوة الملتبسة، التي وجهّها النائب البطريركي الماروني المطران انطوان عوكر، باسم البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، إلى النواب المسيحيين، موارنة وأرثوذكسًا وكاثوليكًا وأرمنَ وأقليات، إلى “يوم اختلاء روحي قوامه صوم وصلاة وسماع لكلام الله وتوبة استعدادًا لعيد الفصح المجيد، يوم الأربعاء في الخامس من شهر نيسان المقبل في بيت عنيا – حريصا، في جو من الصلاة والتأمل والسجود أمام القربان”، أن هذه الدعوة جاءت بناء على معطيات عدّة تبّلغها البطريرك الماروني من موفده إلى القيادات المارونية المطران أنطوان ابو نجم، وهي معطيات يمكن إدراجها في خانة “السلبيات” إذا أجيز التعبير، ومن دون أحكام مسبقة غير مستندة إلى وقائع حسّية تؤكد صحة ما يُرمى إليه.
ومن بين هذه المعطيات، التي حتّمت هذه الدعوة، يمكن الاستفاضة في تعدادها، سواء أكانت مدّعمة لها، أو تلك التي يقول عنها البعض إنها قد تحمل في طياتها صواعق تفجيرية أو تفخيخية، الأمر الذي قد يؤّثر على طبيعة هذه الدعوة، التي يبدو أن رأس الكنيسة المارونية أراد لها أن تكون روحية بامتياز، وفرصة للعودة إلى الذات، وكأنها حثّ على فحص ضمير إفرادي وجماعي، وإعادة التموضع المسيحي حيث يجب، أو حيث يُفترض أن يكون ممثلو الشعب اللبناني المسيحي في هذا الشرق المضطرب، نورد وفق تراتبية غير المنظمة في سلم الأولويات ما يلي:
أولًا، استند البطريرك الراعي، في الدعوة التي وجهّها إلى النواب المسيحيين قاطبة، وليس إلى النواب الموارنة حصرًا، إلى التفويض المعطى له من قبل رؤساء الطوائف المسيحية، وهو تفويض غير قابل للعزل، وهو بالتالي يشمل كل المسائل، التي لها علاقة بوضعية المسيحيين المطالبين بأن يكونوا في مستوى التحديات المصيرية والمتغيرات الحاصلة تباعًا في المنطقة، وذلك من خلال البوابة الرئاسية، وما ترمز إليه ما سبق أن سلّط عليها مفتي الجمهورية الضوء في موقف متجّل ومتقدم يوم جمع النواب السنّة في دار الفتوى.
ثانيًا، على عكس ما يحاول بعض المتضررين من أي دعوة بطريركية ثمة إصرار من قِبَل البطريرك الماروني على أن تشمل هذه الدعوة جميع النواب المسيحيين، وليس فقط الموارنة منهم، وذلك من أجل التأكيد على “مسحنة” أي توافق على مستوى الوطن، وليس فقط على موضوع الانتخابات الرئاسية، التي تبقى مرهونة بتوافق لبناني – لبناني، باعتبار أن رئيس الجمهورية، وإن انتمى للطائفة المارونية، هو لجميع اللبنانيين، وليس لفئة منهم دون غيرهم، وعدم تكرار تجربة سقوط بعض الرؤساء في خطأ “تقزيم” الرئاسة وحصرها في فئة حتى ضمن الفئة الواحدة.
ثالثًا، قد يتحجّج بعض الذين يرفضون حتى مجرد الدعوة إلى “لقاء – صلاة وتأمل وتوبة وسجود” بأن في هذه الدعوة ما يناقض احترام خصوصيات كل فئة من الفئات المسيحية، حتى ولو كان لدى بكركي تفويض من رؤساء الطوائف المسيحية. وحجّة هؤلاء أن الرؤساء الروحيين مسؤولون عن أمور كنائسهم وشؤون رعاياهم الروحية وحتى الاجتماعية، من دون أن يعني ذلك عدم استشارتهم في الأمور السياسية والأخذ برأيهم، ولكن ذلك لا يلزم الأحزاب والتيارات السياسية ، على تعدّدها، الأخذ بما يرتأيه هؤلاء الرؤساء الروحيون.
رابعًا، في ردّ غير مباشر على أي محاولة استباقية لقطع الطريق على هذه الدعوة الخالية من أي خلفيات سياسية، ردّ بعض المصادر الكنسية في ما يشبه الاستعارة ببيت من الشعر للشاعر خليل مطران: ما كانت الحسناء ترفع سترها لو أن في هذي الجموع رجالا ومراد هذه الاستعارة أنه ما كان رجال الدين ينزلون إلى الساحة السياسية من بوابتها الوطنية لو أن في هذه الساحة نوابا يقومون بواجباتهم الوطنية، وأولها انتخاب رئيس للجمهورية.