صحيحٌ أنّه حتّى اللحظة لم يكسر ترشّيح “الثنائيّ الشيعيّ” للنائب والوزير السابق سليمان فرنجيّة المراوحة الرئاسيّة، في ظلّ عدم تأمين الأصوات الكافية لانتخابه، لكن بحسب مطّلعين، فقد استطاع “حزب الله” ورئيس مجلس النواب نبيه برّي أنّ يفرضا إسم رئيس تيّار “المردة” بقوّة داخليّاً عبر تقديمه كشخصيّة جامعة يجب التوافق عليها. أمّا خارجيّاً، فبدأ فعليّاً التداول بمرشّح الضاحيّة الجنوبيّة وعين التينة، فحصل إجتماع ثنائيّ في باريس، بين وفدين فرنسيّ وسعوديّ لإستئناف البحث في الملف الرئاسيّ اللبنانيّ.
ويقول مراقبون إنّ هناك حرصاً غربيّاً بشكل خاص لإنهاء الفراغ الرئاسيّ بأسرع وقتٍ ممكن، لأنّ هناك خشية فرنسيّة من أنّ يتأزم الوضع المعيشيّ أكثر مما هو عليه، وينفجر الشارع أمنيّاً، إذ ترى باريس كغيرها من عواصم القرار أنّ الإستقرار في لبنان مفتاحه إنتخاب رئيسٍ وتشكيل حكومة فوراً للمباشرة بورشة الإصلاح الإقتصاديّ. ويُضيف المراقبون أنّ الحرب الأوكرانيّة فرضت على دول الإتّحاد الأوروبيّ إيجاد مصادر جديدة للنفط والغاز، وهناك رغبة في أنّ يكون لبنان بلداً معافى سياسيّاً واقتصاديّاً، كيّ يكون قادراً في المستقبل على سدّ النقص الغربيّ بالطاقة.
ولا يبدو أنّ للرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون مشكلة في أنّ يكون الرئيس المقبل من “محور الممانعة”، فهناك تواصل دائمٌ بين فرنسا و”حزب الله” و”حركة أمل” وسليمان فرنجيّة عبر السفيرة آن غريو. أمّا في ما يخصّ المملكة العربيّة السعوديّة، فيرى مطّلعون أنّ تقاربها مع طهران سيفتح ثغرة في انتخاب رئيسٍ من فريق الثامن من آذار. فقد بدا لافتاً جدّاً توقّف “حزب الله” عن مهاجمة الرياض في الآونة الأخيرة، مع ترحيب السيّد نصرالله بهذا التقارب، والتزامه بالتهدئة وعدم التدخّل في شؤون البلاد العربيّة والخليجيّة، كما ينصّ الإتّفاق بين السعوديّة وإيران.
وقد نُقل منذ أيّام قليلة أنّ طهران أوقفت إرسال شحنات الأسلحة إلى الحوثيين، وإذا نجحت إيران في ترجمة إتّفاقها مع السعوديّة وقامت بتطبيق بنوده كاملاً، وساهمت بإنهاء الصراع اليمني – الخليجيّ، يلفت مراقبون إلى أنّ الرياض لن يكون لديها مشكلة بتاتاً في انتخاب فرنجيّة إذا عاد الهدوء إلى منطقة الخليج العربيّ، وبقيت علاقتها مع إيران قائمة على الإحترام والصداقة.
ويُشير المراقبون إلى أنّ تسارع الأحداث في المنطقة يصبّ لمصلحة “الثنائيّ الشيعيّ” الذي يرفض مناقشة أسماء أخرى غير فرنجيّة، متسلّحاً بالإنجاز الدبلوماسيّ الذي توصّلت إليه إيران مع حليفة الكتل “المعارضة” المملكة العربيّة السعوديّة. ويُتابع المراقبون أنّ كتلتيّ “اللقاء الديمقراطيّ” و”الإعتدال الوطنيّ” تنتظران مباركة الرياض لفرنجيّة كي يدعماه رسميّاً، ويدعو الرئيس برّي لجلسة إنتخاب. ويوضحون أنّ رئيس الحزب “التقدميّ الإشتراكيّ” وليد جنبلاط أكثر من يبني مواقفه وتحركاته السياسيّة على التحوّلات الدوليّة، فإذا أعطت السعوديّة الضوء الأخضر لانتخاب رئيس “المردة”، فإنّه سيكون في خندق التحالف الجديد في المنطقة.
في المقابل، ورغم الإجتماع الفرنسيّ – السعوديّ من جهّة، والتقارب الخليجيّ – الإيرانيّ من جهّة ثانيّة، فإنّ أبرز عقبة أمام وصول فرنجيّة هي مسيحيّة، وتتمثّل برفض نواب “القوّات اللبنانيّة” و”الكتائب” و”التيّار الوطنيّ الحرّ” الإقتراع له. ويقول مراقبون إنّ داعمي رئيس “حركة الإستقلال” النائب ميشال معوّض لن يحضروا جلسة إنتخاب فرنجيّة إنّ استطاعوا تعطيل النصاب، علماً أنّهم يحتاجون لنواب تكتّل “لبنان القويّ” لينجحوا في مواجهة التوافق الفرنسيّ – السعوديّ إنّ حصل.
وفي الإطار عينه، يعمل “حزب الله” على إيصال فرنجيّة في حضور نواب مسيحيين، فيكفيه أنّ يكون هناك 86 نائباً من مختلف الطوائف داخل مجلس النواب لانتخاب مرشّحه بـ65 صوتاً أو أكثر بقليل. وقد سبق وأنّ أعلن أنّ هذه الأصوات كفيلة بأنّ تُعطي رئيس “المردة” الميثاقيّة النيابيّة، وحتّى لو كانت الأغلبيّة المسيحيّة تُعارض إنتخابه.
وفي المحصّلة، يتّضح أنّ التسويّة الخارجيّة تنضج لصالح سليمان فرنجيّة، بعدما باتت الأسماء الوسطيّة لا تلقى ترحيباً من قبل برّي ونصرالله، فيما “المعارضة” المنقسمة ليست قادرة على توحيد جهودها للسير بمرشّحٍ واحدٍ. فهل يستقلّ سمير جعجع وجبران باسيل قطار التوافق أم يكون فرنجيّة إنّ كُتِبَ له الوصول إلى بعبدا أمام مواجهة مسيحيّة في السنوات الستّ من عهده؟