إذا كانت النصيحة في زمن البادية بجمل فإن النصيحة اليوم تكاد تكون مجانية. وهذه النصيحة المجانية هي برسم كل رئيس للجمهورية سيأتي من بعد الرئيس السابق ميشال عون. وهذا الرئيس سيصل إلى بعبدا حتمًا، آجلًا أم عاجلًا، حتى ولو أن الطريق إلى قصرها تبدو مزروعة بأكثر من لغم قابل للتفجير في أي وقت. فاللبنانيون خبروا سنة 2014 هذا الانتظار. وانتظروا طويلًا حتى قُيّض لـ “حزب الله” ما أراد. ولم يكن أحد يصدّق أن رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع سيقبلان بمرشح “حارة حريك” بعد تسويتين أضيفتا إلى تسوية “مار مخايل”. الأولى تتعلق بديمومة ترؤس الحريري لحكومة “العهد العوني”، والثانية تقوم على تقاسم السلطة بالتساوي بين “التيار الوطني الحر” و”القوات”، وإن كانت الأهداف المبيّتة كانت مختلفة في حينه، مع الإشارة إلى أن من بين مرامي ورقة “تفاهم مار مخايل” ضمان وصول العماد عون إلى رأس السلطة مقابل تأمين الغطاء المسيحي لمشروعية “المقاومة، ومن بعدها تأمين الغطاء الشرعي لها من خلال موقع رئاسة الجمهورية.
Advertisement
أمّا النصيحة فهي بكل بساطة ألا يفعل ذاك الرئيس، الذي لا تزال ملامحه غامضة، ما فعله سلفه الرئيس ميشال عون، أو بالأحرى أن يفعل ما لم يفعله.
فلو لم يطلب الرئيس عون لنفسه ما طلبه على مدى ست سنوات لكان أستطاع أن يكون ذاك الرئيس، الذي يُدرج اسمه في قائمة الرؤساء، الذين كتبت أسماؤهم بأحرف من ذهب. ومن بينهم الرئيس فؤاد شهاب، وهو ابن المدرسة نفسها، التي أتى منها الرئيس عون.
الرئيس شهاب لم يطلب لنفسه شيئًا فكان أقوى في موقعه من أي رئيس مجلس أو حكومة أو أي رئيس حزب أو تيار. لم يقايض ولم يسعَ إلى توريث أحد، لا ولدًا ولا صهرًا. ومات فقيرًا، وقد وجد عندما أسلم الروح أنه كان يلبس “البيجاما” تحت بنطلونه. وقيل يومها أنه لم يكن يملك ثمن “المازوت” للتدفئة. فأستبدل المازوت” بـ “البيجاما” لطرد لسعات البرد القارس.
فلكي يكون الرئيس المقبل أقوى الأقوياء فعليه ألا يطلب لنفسه شيئًا. وإذا لم يطلب هو لنفسه أي شيء ولم يسعَ إلى أي مكسب مادي أو معنوي لا يعود الآخرون يطلبون شيئًا. وهكذا تستقيم أمور الدولة. وهكذا يعود الأمل في إمكانية إعادة بناء الدولة ومؤسساتها على أسس سليمة وصحيحة. وهكذا ننتقل من “دولة المزرعة” إلى نواة دولة حقيقية بكل ما فيها من مقومات نفتقد إليها اليوم.
فالدولة كما فهمها وعاش في أرجائها الرئيس شهاب لا تشبه بشيء ما نعيشه اليوم. بل أن ما نعيشه هو النقيض. هو الفوضى العارمة. هو الطوفان بحدّ ذاته من بعدنا أو من بعده أو من بعدهم.
فلو فعل الرئيس عون ما لم يفعله لربما أتت مظلومية الكارثة الاقتصادية والمالية والاجتماعية أقل وطأة على الناس مما هي عليه اليوم. ولما كان اللبنانيون يعيشون أسوأ أيامهم، وهم موجودون في قعر “جهنم”.
فهل ما يُطلب من الرئيس العتيد فيه شيء من المبالغة، وهل نطلب منه أن يكون على غرار مار شربل، بتجرّده وابتعاده عن المغريات السلطوية؟ فإذا لم تتوافر هذه “الصفات الطوباوية” في شخصية الرئيس المنتظر فالأفضل أن نبقى في الفراغ، لأن الناس لم يعد في مقدورهم تحمّل المزيد من خيبات الأمل.
