قد تكونُ عملية مجدو التي أرعبت الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، بمثابةِ صدمة جديدة ضربت النظام السياسي والأمني في كيان العدو الإسرائيليّ. ففي الواقع، فإنّ العملية التي تربطها القيادة الأمنية الإسرائيليّة بـ”مُتسلّل لبناني”، كشفت عن الوجه الحقيقي للوضع القائم، وأماطت اللثام عن “تزعزعٍ” واضحٍ في بُنية الجيش الإسرائيلي الأمنيّة من شمال الحدود الفلسطينية إلى أقصى جنوبها.
في بادئ الأمر، قد يُخيّل لدى البعض أنّ العملية مُفبركة ومن ترتيب الجيش الإسرائيلي لتصوير نفسه قادراً على حماية المستوطنات من أيّ أعمال تخريبية، وبالتالي إحباط أي مُخطّط لتفجير الأوضاع في ظلّ الأزمات المتراكمة سياسياً وأمنياً في الداخل الإسرائيليّ. إلا أنه وللحقيقة، فإنّ مضمون رواية عملية مجدو يكشف عن فضيحة كبرى على الصعيد الأمني خصوصاً عندما قيلَ أنّ المُتورط بها هو لبناني وتسلل عبر الحدود الجنوبية مع لبنان، وقطع عمق 60 كلم داخل الأراضي المحتلة بهدف الوصول إلى مجدو وتنفيذ عمليته. هنا، الكلام هذا الذي تبناه الجيش الإسرائيلي كاملاً، يعني أنّ البنية الأمنية بين الحدود اللبنانية والداخل الفلسطيني المُحتل، هشّة تماماً، وبالتالي فإنَّ الدرع العسكري القائم هناك بات مخروقاً بشدّة في أيّ وقت.
المُفارقة الكبرى أيضاً هو أنّه بعد عملية مجدو، مرّ خبر عابرٌ قبل نحو يومين، يفيد بأنَّ الجيش الإسرائيلي عثر على حطام طائرةٍ من دون طيار في محيط الحدود مع لبنان. الأساس هنا هو أنّ الجيش الإسرائيلي لم يعلن عن إسقاط الطائرة بل أعلن عن العثور عليها، ما يعني أن الأخيرة خرقت الأجواء الفلسطينية من جنوب لبنان وسقطت من دون أن يدري بها جيش العدو أو حتى راداراته. وعليه، فإنّ ما اعترف به الجيش الإسرائيلي الجُمعة بشأن طائرة “الدرون”، يُعزّز تماماً الكلام القائل عن أنّ السيطرة الإسرائيلية على الحدود مع لبنان باتت مفقودة تماماً، ما يعني أنّ “إسرائيل” باتت مخروقة أمنياً من جهة لبنان.
أين “حزب الله” من كل ذلك؟
فعلياً، فإنّ “الإهتزاز الأمني” على الصعيد الإسرائيلي يعدّ بمثابةِ “طبق من ذهبٍ” يُقدّم لـ”حزب الله” من أجل الإستثمار به. فبعد عملية مجدو، لوّحت القيادة العسكرية الإسرائيلية بإمكانية الرّد على ما جرى وتوجيه ضربة للمنفذين، مع العلم أن “حزب الله” لم يتبنّ العملية أو يغص في تفاصيلها، في حين أنّ جهة أخرى تُدعى “قوات الجليل – الذئاب المنفردة” هي التي تبنت ما حصل بشكل علني.
بشكلٍ أو بآخر، قد لا يكون “حزب الله” هو المسؤول المباشر عن تلك العملية، إلا أنّها قد تكون مفيدة بالنسبة له، فهو يدعمها ويُشجع على إتمام غيرها في العُمق الإسرائيلي. وفي الأساس، لو تبنّى الحزبُ ما حصل في مجدو، لكان وضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي، وفي حال حصول ذلك لجرى تحميل الحزب مسؤولية إطلاق الشرارة الأولى. ووسط هذه المشهديّة، جاءت ما يُسمى بـ”قوات الجليل” التي قد تكونُ بمثابةِ العنصر الأساس الذي سيتبنى أيّ عملية قد تجري لاحقاً في الداخل الإسرائيلي، وهذا الأمر قائم وبقوة وسيحدثُ حقاً خلال وقتٍ قصير، سواء عند الحدود الفلسطينية الشمالية أو في أي منطقةٍ مُحتلة أخرى.
وفي هذا الإطار، كانت “قوات الجليل” واضحة في تهديدها الكيان الإسرائيلي عبر فيديو خاص بها، إذ توعدت، قبل يومين، بتنفيذ عمليات أخرى مماثلة لتلك التي حصلت في مجدو. إلا أن هذا الفيديو الذي جرى نشره كرسالة صريحة لا يُمكن فصله تماماً عن مقطع فيديو نشره الإعلام الحربي لـ”حزب الله” سابقاً عن قدرته على إقتحام مناطق الجليل، و”العبور” باتجاه الداخل الفلسطيني بسهولة.. وحقاً، قد تكون عملية مجدو من جهة، وعملية خرق الطائرة للأجواء، بمثابة تأكيدٍ على أنّ الفصائل المقاتلة “عبرت” فعلاً الحدود بكل سهولة ومن دون أن يدري بها أحد، وهنا تكمن الخطورة الكبرى بالنسبة للجيش الإسرائيلي الذي بات يُعاني من “الهشاشة” الأمنية وغير قادر على ضبط الحدود.
إرباكٌ شديد
مع كل ذلك، فإنّ السيناريو الأمني الذي يفرضُ نفسه حالياً ليس عادياً أبداً، فإسرائيل اليوم تعيشُ حالة من الإرباك الشديد. فمن جهة، الضغط كبيرٌ جداً في الضفة الغربية كما أن العمليات المنفردة التي تجري ضدّ الإسرائيليين تشكل معضلة كُبرى للمؤسسة الأمنية، وذلك على الرغم من نتائج قمة شرم الشيخ التي أفضَت، أمس الأحد، إلى تهدئة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ووقف دوّامة العنف في الميدان.
وليل أمس الأول، كان لغزّة مساهمة أيضاً في الضغط على “إسرائيل” عبر إطلاق صاروخ باتجاه المستوطنات. أما من جهة أخرى، فإنّ الإنفلات الكبير عند الحدود مع لبنان يعني أنّ الجيش الإسرائيلي سيدخلُ في حالة إنهاكٍ كبرى، وبالتالي في حالة رُعب حقيقيّة. وبين الضفة والداخل الفلسطيني والحدود مع لبنان، تقف القيادة الأمنية الإسرائيلية أمام مشكلة غير عادية تتسم في مواجهة عملياتٍ غير معروفة التوقيت أو المكان، والأهم هو أن المواجهة تحصلُ مع أشخاص مجهولين غير محصورين بمنطقة جغرافية مُحددة، وبالتالي يمكن أن يحصل أي أمرٍ في أي منطقة ما، سواء عند الحدود أو في الداخل الفلسطيني وذلك بشكل مفاجئ وغير محسوب وبطريقةٍ قد تكون مُفاجئة.
وعليه، فإنّ أسلوب المواجهة اليوم اختلف تماماً عن السابق، فالحرب التقليدية باتت منعدمة، ما جعل العدو الإسرائيلي في مواجهةِ عناصر منفردة فعلاً، تؤدي عملياتٍ إنغماسية ضدّ أي هدفٍ قد يجري تحديده في لحظتها، وهو أمرٌ معقد جداً من الناحية الإستخباراتية وقد يزيدُ من الإستنزاف الذي يعاني منه الجيش الإسرائيلي.
وأمام كل ذلك، فإنّ تل أبيب سترى نفسها عاجزة عن إتمام أيّ ردّ، فهي اليوم أصبحت في موقع الدفاع وليس الهجوم، إذ باتت تترقب ما قد يطالها من جبهات متعددة. أما النقطة الأبرز فهي أنَّ عنصر “إشغال” العدو في أكثر من منطقة قد تحقّق، وهنا تكمن الإنعطافة الأكبر لأن ما يجري في هذا الإطار ليس ضمن مواجهة مباشرة، بل من خلال أساليب وتكتيكاتٍ ذات تأثيرٍ كبير وغير محدود ولا يمكن لجمه بسهولة أو التصدّي لها بسرعة.
المصدر:
لبنان 24