تواجهُ قناة الـ”NBN” التلفزيونية في الوقت الرّاهن أزمةً عاصفة بكلّ المقاييس، فالتململُ يسودُ أوساط الموظفين، الرواتبُ ضئيلة وعلى “الدولار القديم”، فيما “الكادرات الإعلاميّة الأساسية” في المؤسسة تواجه “الإبعاد والإستبعاد”، بحسب ما تقولُ أوساطهم.
منذ فترةٍ، شهدت القناة تحركاً للعاملين فيها، إذ طالبوا الإدارة بتحسين قيمة الرّواتب وسط الإرتفاع الصاروخيّ لسعر الدولار. فمنذ بداية الأزمة المالية في لبنان عام 2019 وحتى الآن، يقول الموظفون إن إعادة هيكلة “المعاشات” كانت غائبة تماماً، فـ”القبض” ما زال بالليرة، في حين أنّ رواتب الكثيرين لا تتجاوز الـ2 أو 3 مليون ليرة. أما المُشكلة الأكبر التي يتحدّث عنها العاملون في الـ”NBN” والتي تتجاوز أي ناحية ماديّة، هي “إبتعاد الإدارة عن الموظفين معنوياً”، إذ يرون أنّ التعاطي معهم ليس سليماً من قبلها، كما أنها يعتبرون أن الإدارة في واد ووضع البلد في وادٍ آخر.
ورغم كل هذه المشهدية الصعبة، آثر العاملون والموظفون الإستمرار بالعمل، مُتحدّين الظروف الصعبة لإبقاء شاشة الـ”NBN” بعيدة عن الإندثار. حتماً، هذا الأمر يُجمع عليه الكثيرون هناك، إذ أكّدوا أن العطاء ما زال كبيراً، كما أنّ الوفاء لنهجِ الإمام موسى الصدر ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يُعدّ “الراعي المعنويّ الأول” للقناة، لا يُمكن أن ينكسرَ عند أزمة مادية هنا أو ظروف صعبة هناك. إلا أنه في الوقت نفسه، يؤكد الموظفون أنّ إدارة القناة تواجههم بأسلوبٍ غير مقبول، فـ”الحوار مقطوع”، والإستماع لهواجس الموظفين ليس على القدر المطلوب. وأمام كل ذلك، فقد تبيّن أيضاً أنّ هناك برامج أساسية توقفت، فيما جرى إرجاءُ بعضها حالياً إلى ما بعد شهر رمضان المبارك. الأمرُ لا يتوقف هنا فحسب، بل إنّ هناك وجوهاً إعلامية ميّزت الـ”NBN” باتت غائبة، وقد طُرحت التساؤلات عن سبب ذلك لاسيما أنّ تلك الشخصيات الإعلامية تركت بصمة لدى المُشاهد وباتت معروفة في أوساط الرأي العام من خلال برامجها التي قدّمت الكثير للمواطن، وتركت عندهُ بصمةً على مدى سنوات وسنوات.
في حديثٍ عبر “لبنان24″، تقول أوساط من الإعلاميين ضمن الـ”NBN” إنّ “الوضعَ صعب جداً في القناة من الناحية المعنوية قبل المادية، ويحتاجُ إلى إعادة نظر فورية”، وأضافت: “طالبنا مراراً بتحسين الرواتب، وكانت لدينا حركة اعتراضية على ذلك للضغط باتجاه إيجاد الحلول، إلا أنّ الأمور اصطدمت بتعاطٍ غير مسؤول من قبل الإدارة. ما يُؤسفنا أكثر من كل شيء هو أنّ المؤسسة بعيدة كل البعد عنّا من الناحية المعنوية. هناك موظفون يعملون في المؤسسة منذ 20 عاماً تم التعاطي معهم بلا مبالاة، وهذا الأمر مُحزن جداً. الأمور المادية مهمّة للعمل والإستمرار والعيش، لكن الناحية المعنوية تتغلب على أي أمر”.
ولفتت الأوساط إلى أنّ “القناة لا تستمر إلا من خلال الكفاءات التي قدّمت الكثير لها”، معتبرة أنّ “الإدارة من خلال رفضها لسياسة الحوار، ساهمت في إقصاء الكثير من الموظفين عن العمل قسراً، ما يعني دفعاً لهؤلاء باتجاه تقديم إستقالاتهم”، وأردفت: “أبلغنا الإدارة مراراً وتكراراً أننا على إستعداد للتضحية لأن الـ”NBN” هي منزلنا الثاني ولا يمكننا الإستغناء عنها بسهولة، والمطلوب هو إعادة نظر في الرواتب من أجل الإستمرار. قيلَ لنا أنه سيتم إعطاؤنا مليون ونص ليرة لبنانية على راتب لا يتجاوز الـ4 مليون ليرة… فهل هذا مُحق؟ الدولار بـ130 ألف ليرة، والزيادة التي ستُمنح لنا لا تشتري صفيحة بنزين. ورغم كل ذلك، قبلنا ورضينا بما جرى تقديمه لنا، لكنّ المشكلة لا تكمن هنا بل في طريقة التعاطي معنا، والإدارة مدعوّة دائماً للإستماع للموظفين وعدم إغلاق الأبواب أمامهم أو السعي لإستبعادهم أو التضييق عليهم”.
خلال الآونة الأخيرة، شهدت القناة غياب الإعلامية سوسن صفا عن شاشتها، وما تبيّن هو أنّ الأخيرة تقدّمت بإستقالتها بعدما وصلت أن الحوار مع الإدارة قد وصلَ إلى حائط مسدود.
وفي السياق، تقول صفا لـ”لبنان24″: “مؤسسة الـ”NBN” تعبّر عن رسالة ولها مرجعية، وهي ليست ملكاً لشخص بعينه. لذلك، فإنّ إدارة هذه المؤسسة معنية بتأمين نجاح هذه المؤسسة لتصل رسالتها بشكل سليم، وتقديم أفضل ما يمكن من الكفاءات والبرامج، وتوفير الظروف المناسبة للذين يحملون العبء لتحقيق هدف نجاح المؤسسة”.
وأضافت: “الظروف تغيّرت، ولم ألمس أن هناك خطة لمواكبة المتغيرات وتطوير المؤسسة لتقوم بدورها. لذلك، عندما شعرتُ بأن الصيغة المعتمدة لا تحقق هذا الهدف، وأن المهمة التي انتدبت نفسي لها من أجل إنجاح المؤسسة التي تربيت فيها، وأن الفرصة غير متاحة لتحقيق تقدّم حقيقي على مستوى حضور ودور المؤسسة، وعندما وجدت أن الحوار مع الإدارة وصل إلى حائط مسدود، ثم انقطع هذا الحوار لأسباب غير مفهومة، ارتأيت المغادرة”.
وختمت: “اليوم هذا الموضوع صار خلفي، وأنا أتمنى من قلبي أن تستعيد الـNBN مكانتها، وأن تعود إلى لعب دورها، وأتمنى لها النجاح في الاستراتيجية المستقبلية التي قد تعتمدها في حال توفّرت الإرادة”.
الإدارة تردّ: “لا أزمة”
مقابل كل ذلك، كان لإدارة الـ”NBN” ردّ واضح على ما اعتبرته “شائعات تطال المؤسسة”، مؤكدة أنّ الكلام الذي يُروّج عن أزمة داخلها هو كلامٌ عارٍ من الصحة. وفي السياق، يقول مدير عام قناة الـ”NBN” قاسم سويد لـ”لبنان24″ إنّ “القناة مستمرّة وغير متجهة للإقفال، كما أنه لا أزمة موظفين فيها، وكل ما حصل هو أن هناك موظفة (سوسن صفا) تقدمت باستقالتها، وهذا الأمر يحصل في أي مؤسسة وليس في الـNBN فقط”.
ولفت سويد إلى أنّ المؤسسة سعت وتسعى وفق الإمكانيات إلى إجراءات تحسينات على الرواتب، موضحاً أنّه “ليس صحيحاً ما يقال عن أن الحوار مقطوع بين الموظفين والإدارة”، وقال: “كلنا نواجه الأوضاع الصعبة والأبواب مفتوحة أمام الجميع للحوار والنقاش والهدف هو الاستمرار بالمؤسسة التي تمثل نهجاً وطنياً”.
ومع كل ذلك، فقد قيلَ أن إدارة المؤسسة لا تنقل الصورة الحقيقية لما يحصل ضمنها إلى المرجعية الأساسية المتمثلة بالرئيس نبيه بري، في حين قالت أوساطٌ متابعة أن هناك من اطّلع على مطالب الموظفين ومعاناتهم وهو على إحاطة بما يجري في القناة. إلا أنه ورغم ذلك، لم يجرِ حتى الآن أي تحرّك من قبل عين التينة لطلب عقد لقاء مع الموظفين والوقوف عند حقيقة ما يجري، فيما عُلِم أن برّي كان طلب سابقاً القيام بمعالجاتٍ للوضع إدارياً.
وفي ردّ على سؤال، يقول سويد: “الرئيس برّي لا يتدخل بشؤون الـNBN لا من قريب ولا من بعيد، كما أنه ليس عضواً في مجلس الإدارة أو بالجمعية العمومية للقناة كي يتدخل، وهو في الأساس لا يتعاطى بأي شأن داخلي أو إداري يخصّ القناة لا من قريب أو من بعيد. هناك هيكلية إدارية وجهة مالكة ومجلس إدارة، وهؤلاء هم المعنيون بأمور المؤسسة”.
إذاً، يبقى ملف الـ”NBN” واحداً من ملفات مؤسسات إعلامية عديدة تواجهُ أزماتٍ حقيقية في ظلّ الأزمة، في وقتٍ تتزايد فيه معاناة الموظفين والإعلاميين مع تدهور الأوضاع لاسيما أنّ رسالتهم تتطلبُ منهم تضحية معنوية وماديّة، إلا أنّ الإستمرار باللحم الحي قد لا يدوم طويلاً، وبالتالي يحتاج الأمر إلى ضمانات ومعالجات تضمنُ الإعلاميين والصحافيين من رياحِ الإنكسار.