في حين يرى الكثير من السياسيين أنّ مدخل الحلّ يبدأ بانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، يعتبر البعض الآخر أنّ الإتيان بمرشّحٍ ينتمي إلى أحد المحاور لن يُساهم في إنتاج فريقٍ عمل حكوميّ متجانس لمعالجة المشاكل الإقتصاديّة. وفيما لا يزال “الثنائيّ الشيعيّ” يتمسّك بإيصال حليفه رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة من جهّة، وأفرقاء من “المعارضة” هدفهم وصول رئيسٍ “سياديّ” من جهّة ثانيّة، لا يبدو أنّ هناك بوادر إيجابيّة في الملف الرئاسيّ، توازيّاً مع عدم نضوج أيّ تسويّة خارجيّة أو داخليّة.
Advertisement
وبينما لا يزال التوافق بعيد المنال، يُحاول “حزب الله” و”حركة أمل” تأمين أقلّه 65 صوتاً لفرنجيّة، في الوقت الذي تتخبّط فيه “المعارضة” بأسماء المرشّحين. وإذا صبّ عامل الوقت والإنهيار الإقتصاديّ لصالح رئيس “المردة”، وخصوصاً وأنّ ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تُشارف على الإنتهاء، وملاحقته القضائيّة تستعرّ يوماً بعد يومٍ، يرى مراقبون أنّ بعض النواب ربما يتوجّهون رغماً عنهم لإنهاء الفراغ عبر التصويت لأحد المرشّحين، أقربهم فرنجيّة.
وفي هذا السيّاق، يعتبر المراقبون أنّ إنهاء الفراغ عبر إنتخاب فرنجيّة سيدفع الكتل المسيحيّة بشكل خاصّ إلى معارضة حكمه وعدم المشاركة في حكومة عهده الأولى، ما يعني أنّ نوابهم سيُعطّلون بدلاً من التسهيل، وخير دليلٍ ما جرى على سبيل المثال في ولاية الرئيس السابق ميشال عون، ولا يزال مستمرّاً حتّى اللحظة، عبر عدم تمرير القوانين الإصلاحيّة التي تُعنى بالمفاوضات مع صندوق النقد الدوليّ والإصلاحات.
ويقول المراقبون إنّ أوّل المعرقلّين سيكون رئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” النائب جبران باسيل، الذي على الرغم من أنّه لن يُعطي أصوات تكتّله لفرنجيّة، سيُطالب بالمشاركة في حكومته، وبحقائب معيّنة أبرزها وزارة الطاقة وأخرى سياديّة، بذريعة أنّه الممثل الأكبر للمسيحيين ولا يجب تجاوزه، فيما كتلة فرنجيّة مُؤلّفة من نائبٍ واحدٍ، عندها سيبقى تشكيل الحكومة يُواجه العقبات عينها، وولادتها ستستغرق أشهراً، وقد يكون عهد فرنجيّة مماثلا لحكم ميشال عون من حيث الفراغ الحكوميّ.
ويُشدّد المراقبون على أنّه بانتخاب رئيسٍ وسطيّ يتّفق رؤساء الأحزاب في ما بينهم على المشهد السياسيّ والحكوميّ والإقتصاديّ في الفترة المقبلة، الأمر الذي يُسهل عمل فريق الرئيس الجديد، ويُخفّف من حدّة التوتّرات في البلاد، ويدفع الحكومة والوزراء إلى معالجة الأزمات الماليّة والمعيشيّة من دون عوائق.
وتلفت أوساط سياسيّة معارضة إلى أنّه إذا استطاع “حزب الله” مرّة جديدة إيصال رئيسٍ حليفٍ له، فإنها لن تُلبي دعوته لتشكيل حكومة وحدة وطنيّة، وستكون من أشدّ المعارضين وخصوصاً إذا استمرّ بجرّ لبنان إلى المحوّر الإيرانيّ. وتُضيف أنّ هذا النهج السياسيّ الخارجيّ هو من أوصل البلاد إلى ما هي عليه حاليّاً، وساهم في إبعادها عن محيطها العربيّ.
وتُؤكّد الأوساط أنّها ستعمل بكل الوسائل المتاحة لتجنيب لبنان إنتخاب رئيسٍ “ممانع”، فبالنسبة إليها يبدأ الحلّ بشخصيّة “سياديّة” لديها رؤية إقتصاديّة وإصلاحيّة في الوقت عينه، وقادرة على إعادة العلاقات اللبنانيّة – العربيّة، واللبنانيّة – الغربيّة إلى ما كانت عليه في السابق، الأمر الذي سيُساهم في تدفّق المساعدات والإستثمارات والأموال اللازمة لوضع البلاد على سكّة التعافي. وتجزم الأوساط أنّه من دون الدول العربيّة والصديقة، لا مجال لان يستعيد لبنان عافيته، وانتخاب فرنجيّة أو جبران باسيل أو أيّ إسمٍ آخر من فريق الثامن من آذار، سيُؤزم الأوضاع سياسيّاً وماليّاً واقتصاديّاً ونقديّاً ومعيشيّاً أكثر.
وتُشير الأوساط إلى أنّه يجب ملاقاة دعوة المملكة العربيّة السعوديّة للتوافق، وتوضح أنّها لم تفرض يوماً إسم رئيس “حركة الإستقلال” النائب ميشال معوّض، وتقول إنّها منفتحة على مرشّحين آخرين إذا كانوا وسطيين وغير مرتبطين بـ”حزب الله”، شرط أنّ تتوفّر فيهم المواصفات الإنقاذيّة والسياديّة.
ويختم مراقبون قولهم إنّ على الأفرقاء السياسيين التنازل عن مرشّحيهم التحدّيين، فالأسماء الوسطيّة موجودة، ومنها الأكاديميّة والإقتصاديّة والأمنيّة، وأيّ واحدة منها تستطيع أنّ تُوحّد اللبنانيين، فلبنان أثبت أنّه بالتوافق يُبنى، وهذا ما انطلق به رئيس مجلس النواب نبيه برّي في مداخلته الشهيرة في جلسة الإنتخاب في 29 أيلول، إذ قال “كما قلت مراراً وتكراراً اذا لم يكن هناك توافق واذا لم نكن 128 صوتاً لن نتمكن من إنقاذ المجلس النيابي ولا لبنان”.