كتبت هيام شحود في” الديار”: في ضوء الانزلاق إلى قعرٍ جديد للأزمة المالية، وانهيار العملة الوطنية، وتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية، تشهد الساحة الداخلية زحمة موفدين وديبلوماسيين في الآونة الأخيرة. وأكثر من سؤال مطروح في التدوال في الأوساط والكواليس السياسية، حول التوقيت المقصود من التحذير الشديد اللهجة الذي أتى غداة زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان، تزامناً مع تشديد رئيس المجلس الاستراتيجي للسياسات الخارجية في طهران كمال خرازي، على أن أزمة لبنان غير مرتبطة بالاتفاق السعودي – الإيراني، وصولاً إلى تكرار مساعدة وزير الخارجية الأميركي بربارا ليف دعوتها للقوى السياسية لانتخاب رئيس للجمهورية. ووفق هذه الأوساط السياسية، فإن هذه المواقف الثلاثة تتقاطع ولو بشكل غير مباشر على تحديد الانتخابات الرئاسية كاستحقاقٍ إلزامي، من أجل تفادي الانهيار أو السقوط على كل المستويات، وبالتالي عدم رهن المعادلة الرئاسية والسياسية بأي أجندات إقليمية أو غربية، وهو ما يعني من الناحية العملية، إبقاء كل الاستحقاقات الداخلية معلقة على الساعة الإقليمية والتي تقدمت، بينما ما زالت ساعة لبنان متوقفة، وفق ما يشير إليه واقع الحال، على حدّ قول الأوساط السياسية المطلعة.
وانطلاقاً من هذه المشهدية الديبلوماسية، ترى الأوساط المطلعة نفسها، أن المسار الرئاسي المرتقب مرهون حتى الساعة بالتفاهمات التي ستترسّخ، نتيجة حركة الاتصالات والمشاورات الجارية، سواء على خطّ الفريق النيابي الداعم لترشيح النائب ميشال معوض أو الكتل النيابية المؤيدة لترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية. وبالتالي فإن الفريقين، كما تكشف هذه الأوساط، لم يقفلا الأبواب أمام التوافق، بمعزلٍ عن جنوح بعض القوى إلى رفع سقف الخطاب السياسي، في لحظةٍ اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة، يشتعل فيها الشارع بالاحتجاجات ذات الطابع المفاجىء والعفوي رفضاً لما وصلت إليه الحالة الاقتصادية للغالبية العظمى من المجتمع.
وفي هذا الإطار، فإن الأوساط السياسية المطلعة، تستغرب أن يمرّ موقف صندوق النقد من الوضع المالي والمصرفي وودائع اللبنانيين، من دون أن يؤدي إلى دق ناقوس الخطر سياسياً أو حكومياً أو مصرفياً، في ظل تنامي الانهيار وتحذير رئيس الصندوق إرنستو راميريز من أن يصل لبنان، الموجود اليوم على مفترق طرق، إلى لحظةٍ يفقد فيها كل احتياطاته من العملات الصعبة، ومرجحاً أن يتمّ هذا الأمر خلال أشهر معدودة.
ولذلك تعتبر الأوساط نفسها، أن الحلول على مستوى عدة ساحات في المنطقة، قد قطعت شوطاً بعيداً، بينما في لبنان، الرهان لا يزال على فترةٍ طويلة من الترقب والجمود، على الرغم من أن الوقائع التي نقلها الديبلوماسيون في الأيام الماضية مختلفة تماماً، وهي تؤكد على تطوّر المفاعيل الإيجابية للاتفاق السعودي- الإيراني على المنطقة ككل، وبالتالي على مساهمته في دفع المنطقة نحو مزيد من الاستقرار، ومن الضروري أن يشمل هذا المناخ الساحة اللبنانية، حيث من الضروري عدم ربط الأزمة اللبنانية بالخارج، ولا سيما أن حيّزاً كبيراً منها داخلي، وبالتالي فإن تذليلها لن يتمّ إلاّ من خلال توافق داخلي.