لبنان يحتضر… وهذا نموذج من زوابع فناجين الطائفية

26 مارس 2023
لبنان يحتضر… وهذا نموذج من زوابع فناجين الطائفية


ما سمعه المسؤولون، ومعهم جميع اللبنانيين، من رئيس وفد الصندوق الدولي إلى لبنان لأرنستو راميريز ريغو، كرّرته مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، وهو كلام، إن وصفناه بـ “الخطير” نكون كمن يدفن رأسه في الرمل، لأنه أكثر من خطير. إنه كارثي. فالوضع المالي والاقتصادي كما هو اليوم هو تمامًا كمن يقف على فوهة بركان يغلي، وهو يعطي إشارات متتالية ومتقاربة عن قرب انفجاره. ومتى ما انفجر فالنتيجة يعرفها الجميع. ومع هذا يبدو أن لا أحد من هذه الطبقة السياسية مستعد لأن يساهم، ولو بكوب ماء، في تبريد هذا الجرف البركاني المنتظر. 

 
فهؤلاء السياسيون متهمون في شكل أو في آخر، وبنسب متفاوتة، بأنهم المسؤولون الطبيعيون عن هذه الكارثة التي حلّت باللبنانيين. وهم بالتالي مسؤولون، شاءوا أم أبوا، عن إيجاد المخارج الممكنة، والتي لا تزال متاحة. فالعّلة معروفة. وهي لم تعد سرًّا من أسرار الكون، خصوصًا أن رئيس وفد الصندوق الدولي قد وضع إصبعه على الجرح اللبناني النازف. وقال لنا بكل صراحة ووضوح إنه إن لم نفعل ما يقوله لنا فإن النزف سيتضاعف، وسيؤدي حتمًا إلى مصير محتوم، وهو قاتم.   فـ “الوضع لا يُمكن أن يستمرّ في لبنان على ما هو عليه لمدة طويلة، في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور. ويجب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على حلّ في أسرع وقت ممكن”. هذا ما قالته ليف. وهذا ما يقوله جميع الذين لا يريدون أن يروا لبنان يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومن بينهم المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا التي كررت النداء فقالت: “لقد باتت الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي حيوية وحتمية”.ووفق مقاربة ليف، التي عبرّت في شكل واضح عن قلق الولايات المتحدة الأميركية، فإنها ترى أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو الخطوة الأولى في إنجاز الإصلاحات الهيكلية والبنيوية المطلوبة لإنقاذ لبنان وانتشاله من أزمته”.  
 
فزيارة ليف لم ترق للبعض، الذي رأى فيها “محاولة أميركية لتقويض مفاعيل التقارب السعودي – الإيراني، ولقطع الطريق على أي تقارب جديد بين بيروت ودمشق”.   أمّا ما حذّر منه رئيس وفد صندوق النقد الدولي بأن لبنان يمرّ بـ “لحظة خطيرة للغاية” في ظل انهيار اقتصادي متسارع، يعني أن الاستمرار في سياسة التقاعس عن تطبيق إصلاحات ملحّة من شأنه أن يدخل البلاد في “أزمة لا نهاية لها”. ولفت إلى أن “تقدّم الإصلاحات في لبنان بطيء للغاية بالنظر إلى درجة تعقيد الموقف”. ففي رأي ريغو فإن “الفقر والبطالة سيظلان مرتفعين، وستستمر الإمكانات الاقتصادية في التدهور، في حين ان استمرار الوضع الراهن من شأنه أن يقوّض الثقة في مؤسسات الدولة وسيؤدي التأخير الإضافي في تنفيذ الإصلاحات إلى إبقاء الاقتصاد في حالة ركود، مع عواقب لا رجعة فيها على الدولة بكاملها”.
 
فما قاله ريغو بالنسبة إلى مشروع قانون الـ “الكابيتال كونترول” كان واضحًا، خصوصًا عندما قال “كنا نتوقع المزيد من حيث إقرار وتنفيذ التشريعات الخاصة بالإصلاحات المالية في لبنان”. فممثلو الصندوق الدولي أبدوا اعتراضهم بشدّة على النسخة المطروحة من مشروع قانون “الكابيتال كونترول”. فهم سبق أن أرسلوا ملاحظاتهم عليه عبر لائحة طويلة تنقض كل ما تم تعديله في جلسات اللجان المشتركة.  
 
خلاصة الحديث أن ممثلي الصندوق أشاروا في بعض لقاءاتهم المسؤولين إلى أن كل ما يحصل يقود إلى الاستنتاج بأنه أثناء زيارتهم المقبلة في أيلول المقبل: “لن يكون لديكم أيّ أموال لتبديدها. أنتم الآن اقتربتم من مرحلة الفوضى الاجتماعية. الآن نحن قلقون من ألّا تستطيعوا تمديد اتفاقات دعم رواتب القوى العسكرية والأمنية”. وعلى وقع هذه التحذيرات فإن أولوية الأولويات هي بحصر الاهتمامات النيابية بإنتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر، وبدلًا من أن تتضافر الجهود لإتمام هذا الاستحقاق لا نزال نرى البعض يحاول إثارة الزوابع في فناجين الطائفية.