تستمر بعض القوى السياسية وتحديداً بعض القوى المسيحية في محاولة تعطيل البلاد بشكل كامل، ويقود هذا المسار رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي يسعى الى إثبات أن الفشل الذي ألمّ بلبنان طوال السنوات الستّ الماضية لم يكن بسبب رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، لذلك فهو يعمد الى ضرب المؤسسات الدستورية بهدف “توزيع” الفشل وإنقاذ نفسه و”العهد” الذي كان يقف خلفه أمام الرأي العام.
ولعلّ الازمة السياسية التي يمرّ بها “التيار الوطني الحر” دفعته الى فتح اشتباك سياسي كبير بخلفية طائفية أمام قرار إداري طبيعي سبق أن اتخذه “الجنرال” ميشال عون خلال ترؤسه لحكومة عسكرية في العام 1989، لكن التضييق الشعبي الذي يُحاصر باسيل من كل جهة، اضافة الى الاهتزاز في قواعده الجماهيرية، يجعل من رئيس “التيار” مضطراً للذهاب باتجاه الخطاب الطائفي بهدف شدّ العصب الشعبي من حوله وإعادة استجماع قواعده المترهّلة.
غير أنّ كل هذا “الضجيج” الطائفي والمذهبي المُفتعل رداً على قرار اتخذه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ويقضي بتجميد العمل بالتوقيت الصيفي حتى نهاية شهر رمضان المبارك، والذي اعتبره باسيل “قراراً صادراً عن فئة متخلفة ورجعية”، “يُرجع” لبنان سنوات الى الوراء، الى مرحلة ما قبل الحرب الاهلية. فماذ يريد باسيل تحديداً؟ إذ منذ نهاية “العهد” الذي أوصل لبنان الى قعر الانهيار لأسباب عديدة أهمّها عزله عن العالم على المستوى العربي والإقليمي و الدولي بسبب أداء باسيل والسياسة “العونية”، وهو يعتبر أن أهمّ وأكبر معاركه السياسية هي الحكومة اللبنانية، حكومة ميقاتي، والذي استمرّ بعرقلة مهامها ثم عرقلة تشكيلها في محاولة لضرب المسار الدستوري قبل أن تتحول الى حكومة تصريف اعمال، متغاضياً عن المصلحة الوطنية.
لكنّ منطق “الكيدية السياسية” الذي استخدمه باسيل في جميع هجماته على “حكومة الانقاذ” والتي كانت أبرز مهامها وضع لبنان على سكّة العبور نحو الاستقرار الاقتصادي والمالي، ودرء أي خطر أمني قد يطال لبنان جراء الانهيار الحاصل، لم يوفّق به رئيس “التيار” وفشل في تعطيل جلسات حكومة تصريف الاعمال، وكل الحجج الواهية التي تذرّع بها آنذاك لم تفلح في شرذمة المواقف السياسية والشعبية الداعمة لقرار ميقاتي بضرورة انعقاد الجلسات ومعالجة الملفات الساخنة التي تطال شؤون المواطنين وقضاياهم الحياتية. واليوم يطلّ “النائب المعطّل” برأسه من بوابة “التوقيت” ليُكشّر عن أنيابه ويظهر ما دفنه طويلاً، مرغماً، وينعت فئة من اللبنانيين بالرجعية والتخلف في مواجهة لقرار ميقاتي الاخير بشأن تجميد العمل بالتوقيت الصيفي، في محاولة ” لجرّ البلاد الى انقسام طائفي من شأنه أن يؤجج الصراعات وإعطاء إجراء إداري بحت منحى طائفيا بغيضا” بحسب ما وصف ميقاتي في بيانه الاخير.
هذه الجدلية الواضحة التي أثارها باسيل في هذا “التوقيت” الحساس والاستثنائي الذي يمرّ على لبنان ترفض أن تأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب والتزامات الحكومة تجاهه، بمعرض تصفية الحسابات السياسية الخاضعة لعقل كيدي لا يفقه سوى لغة فرض الشروط وتحقيق المكاسب. ومما لا شكّ فيه أن هذا التصعيد الذي ينتهجه باسيل وفريقه السياسي من خلال التصويب على مجمل قرارات حكومة تصريف الاعمال لا يمكن أن يفسّر بحسن النوايا، إذ يعلم القاصي والداني أن لدى “التيار” مصالح يسعى لتحقيقها في المرحلة المقبلة بصرف النظر عن ما إذا كان مقدّراً لهذا البلد أن يعبر نحو برّ الامان!
أتقن باسيل منذ وصوله الى الحكم لعبة “المناكفات” من دون النظر الى طبيعة مسؤولياته التي تحتّم عليه التعاون مع كل القوى السياسية في لبنان بهدف حلّ الازمات، لكنّ “الوريث القوي” نسي أو تناسى أنه اليوم يخوض معاركه وحيداً متخبّطاً في نرجسيته يعاني من هلوسات التعطيل من دون معايير سياسية او اخلاقية، وأن أحداً لن يقف الى جانبه في شعاراته الطائفية والعنصرية التي يطلقها بين حين وآخر وكأنه المسيحي الاوحد في البلاد!
لو ان هذه الجهود الاعتراضية التي بُذلت عبر الجيوش الالكترونية المحمومة بالحقد والكراهية، وتصريحات بعض النواب والقياديين ومصطلحات الانتصارات الوهمية التي لا تقدّم ولا تؤخر في حقوق المسيحيين ولا في شؤون اللبنانيين وظّفت من اجل حلّ الازمة الاقتصادية او انهاء معضلة ملفّ الكهرباء الذي يتحكّم به طرف سياسي واحد منذ اعوام طويلة، او حتى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ومن ثم رئيس للحكومة اللبنانية لما كنا اليوم نتعارك على مسألة “التوقيت” في ظلّ انهيار كامل للبلاد!