وفد صندوق النقد لن يعود قبل أيلول.. وسلاح العقوبات يطل مجددا..

27 مارس 2023
وفد صندوق النقد لن يعود قبل أيلول.. وسلاح العقوبات يطل مجددا..


للمرة الأولى منذ توقيع مسودة الإتفاق الأولي في 6 نيسان من العام 2022 دخل وفد صندوق النقد خلال زيارته بيروت في زواريب السياسة اللبنانية وحاول بشتى الوسائل التأكد من العقبات والمعوقات التي طالما استندت إليها القوى السياسية لتبرير التأخير في إقرار الاصلاحات المطلوبة سواءً كانت تشريعية أو إدارية أو سياسية رغم انها ضرورية للمضي قدماً بتنفيذ الإتفاق والوصول الى توقيع برنامج التعاون النهائي

لقد اعتبر وفد الصندوق ان لبنان حالياً على مفترق دقيق حيث أدى التخلخل الاقتصادي الحاد والانخفاض البالغ في قيمة الليرة اللبنانية والتضخم الثلاثي الرقم إلى التأثير بصورة مذهلة على حياة الناس وأرزاقهم. ولذلك فإنعدم انجاز الإصلاحات سريعا سيغرق لبنان في أزمة لا نهاية لها ومن  شأن بقاء الوضع الراهن أن يزيد تقويضدعائم الثقة في المؤسسات الوطنية، والاستمرار في تأجيل الإصلاحات سيؤدي إلى استمرار القيود التي تكبح الاقتصاد، مع ما لها من تبعات على البلد ككل تصعب إزالتها، ولا سيما على شريحة الأسر منخفضة الدخل إلى متوسطة الدخل.يبدو أن حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر بحيث تمثلت الصدمة بتضمين التقرير لبنود وفقرات لم تكن موجودة ضمن الإتفاق الأولي وقد شملت مصير القطاع العام الذي نص الاتفاق الاولي على ضرورة ترشيقه وترشيده كي تستطيع الاصلاحات اعادة تفعيله وزيادة إنتاجيته، ولكن التقرير الجديد ضرب الى حد كبير ما ذكر سابقاً على مستوى الاتفاق الأولي واعتبر أن الأوان حان للتخلص من هذا العبء المميت للمالية العامة، حيث دعا إلى “الحد من اللجوء للقطاع العام نظرا لمركز مديونيته الحالي غير القادر على الاستمرار”.وتحدث التقرير عن الأزمة المصرفية والخسائر المالية التي يتوجب على كل الأطراف المتسببة بها الإعتراف بها وتحمل مسؤولية السياسات التي اتبعت في سنوات خلت وأدت في النهاية الى وقوع الخسائر والفوضى المالية، حيث شدد على إعادة هيكلة النظام المالي على نحو موثوق لاستعادة قدرته على البقاء ودعم التعافي الاقتصادي، وسيقتضي ذلك الاعتراف بالخسائر الضخمة التي تحملها البنك المركزي والبنوك التجارية ومعالجتها صراحة، مع مراعاة التسلسل الهرمي للمطالبات، وحماية صغار المودعين.لقد طلب وفد صندوق النقد وبشكل قطعي من مصرف لبنان التوقف عن تمويل الدولة اللبنانية رغم كل المخاطر التي تترتب عن وقف التمويل أو إقراض الدولة وقد طلب صندوق النقد تعديل التشريعات لقانون النقد والتسليف ووضع التشريعات اللازمة لضبط عمل المصرف المركزي ومنعه من المضاربة في الأسواق المالية أو التدخل بإقراض الدولة.وبحسب الخبير المالي بلال علامة  لـ”لبنان24″ فإن  وفد صندوق النقد وضع في تقريره خيارات ثلاث للسلطة السياسية وهي:1-الدخول فوراً وبشكل سريع في ورشة الإصلاحات المطلوبة على كافة المستويات السياسية والادارية والمالية والتشريعية.2- الإبقاء على الوضع كما هو من خلال إستعمال الأدوات التقنية الترقيعية والتي ستطيح بما تبقى بسرعة وبالتالي دخول لبنان في نفق أسود لم تشهده حتى الدول التي تعرضت لأزمات شبيهة سابقاً.3- إنجاز موازنة 2023 بشكل مختلف عن موازنة 2022 وضرورة تضمينها الإصلاحات المالية اللازمة والتي في حال أرادت الحكومة تطبيقها فهي بحاجة لورشة تشريعية كاملة.إذا الشروط التي وضعها وفد صندوق النقد  تحاكي الواقع المستجد بعدما تغيرت الارقام الى حد كبير، حيث ابدت البعثة اعتراضها على النسخة المطروحة من مشروع قانون الكابيتال كونترول وثمة من يعتبر ان الشروط الجديدة هي بمثابة السيف المسلط على الطبقة السياسية وتؤشر الى أنه في حال تقاعس المسؤولين عن تنفيذها فربماسيكونون محط إتهام وقد تفرض عليهم عقوبات خاصة بعد وقوع مصيبة الإرتطام.وبحسب علامة فإن وفد الصندوق يبدي قناعة أن لبنان بأمس الحاجة إلى نظام اقتصادي جديد خاصة وأن النظام الاقتصادي السابق الذي اعتمد على القطاع المصرفي كأداة لجذب الودائع بدل جذب الإستثمارات فشل وإنهار ولم يعد صالحاً للاستمرار بدليل أن تقرير الوفد قد أشار الى انه “ينبغي إعادة هيكلة البنوك التي تمتلك مقومات البقاء وإعادة رسملتها ضمن خطة محددة الوقت، أما البنوك التي لا تمتلك مقومات البقاء فينبغي أن تخرج منالسوق،  وتعديل “قانون السرية المصرفية” لمعالجة مواطن الضعف الحساسة القائمة التي لا تزال مستمرة علىالرغم من التحسينات المهمة المدخلة بموجب عملية الإصلاح السابقة”.وإذا كانت مؤسسات الدولة بأكملها باتت بحكم المنتهية، وفق مفهوم بعثة صندوق النقد، وأن إعادة إحيائها ضربمن المستحيل،  فإن الأجدر بالمعنيين العمل على تغيير  النموذج المالي والإقتصادي الراهن كون النظامين المعتمدين سقطا إلى غير رجعة. كل ذلك لا يصح قبل إنجاز الاستحقاقات الدستورية من انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة والعمل على تنفيذ الاصلاحات وتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان. ولذلك لا يمكن الرهان على زيارة جديدةلوفد من صندوق النقد قبل إتمام المعنيين لما هو مطلوب منهم، وهذا ما يفسر قرار صندوق النقد عدم العودة الى بيروت قبل ايلول المقبل حيث يفترض أن يتم التوقيع النهائي على الاتفاق، لكن يبقى القلق لدى المؤسسات المالية الدولية من خطر الفوضى الاجتماعية إذا بقيت الأمور على حالها وعندها على المعنيين تدبر امورهم.وعلى ضوء تقرير صندوق النقد من المؤكد أن مجموعة العمل المالي الدولية التي ستدرس الوضع المالي في لبنان في اجتماعها المرتقب لن يغيب عنها تقرير صندوق النقد الدولي، مع ترجيح المعنيين أن تصنيفها للبنان سيكون رماديا إلى أسود.