لتغليب المصلحة الجماعية على الفردية

27 مارس 2023


أشار وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الابيض باسم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إلى أنه “في غرّة شعبان عام ١٢٩٥  الموافق ٣١ تموز ١٨٧٨ ، اجتمع في منزل الشيخ عبد القادر القبّاني وبرئاسته، ٢٤ شابا من الأهالي، مثلوا غالبية العائلات في بيروت، و أسسوا جمعية المقاصد الخيرية . و قد موّل الجمعية في بداياتها حوالي ١٥٠٠ متبرع، كان بينهم بعض المسؤولين العثمانيين و المسيحيين. و هدفت الجمعية في رسالتها التربوية الى تامين التعليم الأساسي و التربية الإسلامية لأكبر عدد من أولاد مجتمعها، و التدرج بهم نحو فهم متكامل لرسالة الإسلام و التمسّك بقيمه السّامية. ورفعت المقاصد شعار “و قل ربّي زدني علما”، فبنت المدارس في المدن و الأرياف وعملت على تنمية قدرات المجتمع و تربية أجياله، ثمّ وسّعت نشاطها ليشمل تامين العناية الصحيّة و الاستشفائيّة”.

وتابع خلال إفطار جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية السنوي في بيروت :”وكان هذا التوسّع و النجاح قائما على عاملين أساسيين: العامل الأول كان التفاف علماء المسلمين وعامتهم حول جمعيّتهم. فرفدوها بأموالهم وأوقافهم، وبذلوا الغالي والثمين لما لمسوه في الجمعيّة من إتقان، وجدّية، وتعزيز شعائر الدين، وجهود جبّارة بالرغم من الصعوبات و التحديات . أما العامل الثاني فكان الحرص والدراية والإخلاص التي توفرت في القائمين على جمعيّة المقاصد، فاحسنوا إدارة الموارد بأمانة وإخلاص، فنمت على أيديهم الجمعية، وحازت على ثقة مجتمعها. وحرص القائمون على مدارس المقاصد على الجمع بين تعليم اللغات و تدريس المناهج المتضمّنة احدث ما وصل اليه العلم والمعرفة، حرصوا على جمع ذلك مع التمسّك بالتّربية الإسلامية والحفاظ على الصّلة مع السّلف الصّالح، فأطلقوا أسماء آل البيت و أصحاب الرّسول عليه الصّلاة و السّلام على مدارسهم ، تذكرة لنا بالرّعيل الأول و حبّا بالرّسول و آل بيته، و أصحابه، واعترافا بفضل السّلف على الخلف، كما نحن اليوم نتذكّر الجيل المؤسّس لهذه الجمعيّة بالخير. واستمرت الجمعية بأداء دورها خلال سنين الانتداب، وبعد الاستقلال، وسنوات الحرب، والسلم، الى يومنا هذا”.أضاف: “يمر وطننا اليوم بواحدة من اشد الأزمات في تاريخه، وقد اضحى الكثيرون من أبناء المجتمع يعيشون دون خط الفقر. في هذه الظروف الصعبة، تقدم جمعية المقاصد عبر مؤسساتها التربوية والاستشفائية والاجتماعية الكثير من الخدمات المطلوبة للمحتاجين، وتقضى على أياديها حوائج الناس، وخاصة من الطبقات الهشة، ولم يكن ذلك ممكنا لولا الجهد المبذول من رئيس الجمعية، ومجلس الأمناء خلال السنوات الأخيرة، لإعادة هيكلة الجمعية، وبناء مؤسساتها على أسس إدارية ومالية سليمة. ولا يستطيع أي منصف ان يخالف هذا، وانا كشاهد رأيت بأم العين جزءا من هذا التحول والتطور الكبير خلال زياراتي لمستشفى المقاصد، وهذا الجهد مشكور، ومأجور بإذن الله”.واردف: “لكن كل هذا لا يغطي بعض القرارات التي صدرت، والتي وان بررت أحداها بانها نتجت عن خطأ إداري، فهي في الحقيقة خطيئة وليست خطأ، لما تمس بالأسس والمبادئ التي قامت عليها الجمعية، منذ فجرها الصادق، والرسالة الأساس بما تتضمنه من حرص على التربية الإسلامية، وقيم الدين السامية، بعيدا عن الغلو والتطرف، او التبعية وذوبان الهوية. ونحن، من باب الحرص على هذه الجمعية، والقائمين عليها، المؤتمنين عليها، وعلى ما بذلوه من الجهود، وما حققوه من الإنجازات لصالح الناس، ندعو الى إعادة النظر بهذه القرارات، وإصلاح ذات البين في مجتمعنا، وخاصة مع العلماء، مرددين قوله تعالى:” ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”.وقال الوزير الابيض: “لعل آفة الشقاق والخلاف هي اشد ما تبتلى به المجتمعات، وكأننا نسينا آداب التخاطب والتشاور، وحسن إدارة النزاع، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية. فاذا بخلاف على أمور تقنية ينقلب الى خلاف طائفي بغيض، وعطل الشقاق والنزاع الانتخابات، ان عائليه أو رئاسية، وها نحن نرى الوطن يشكو ضعف قوته، وقلة حيلته، وهوانه على الناس. أما حان الوقت لنعود للمبادئ التي جمعت الجيل الأول لهذه الجمعية، وما قامت عليه من تغليب المصلحة الجماعية على المصلحة الفردية، والتواصل والتعاون بين أبناء المجتمع، وأطيافه المتعددة، والعمل الجاد والمتقن من غير كلل، راجين فيه رضى ربنا، ومستقبل أولادنا. قال تعالى:” فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.