كتبت زينب حمود في “الأخبار”:
لا يمكن لزائر معرض «خط زمني»، الذي استمرّ لعشرة أيام في مبنى جريدة السفير في الحمرا، إلا أن يشعر بالاختناق. محاولات رئيسة «لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان» وداد حلواني الدفع باتجاه تجاوز البكاء وتفعيل العمل للوصول إلى حقيقة مصير المفقودين، لا تنجح كثيراً. وبين حكايات الأهالي الموجعة، ونضالاتهم المتشبّثة بالحق، يخرج الزائر بخلاصة أكيدة: «خط زمني» يجب أن يكون معرضاً دائماً… إلى أن يدخل في كتاب التاريخ.
مضى أكثر من 40 عاماً على ولادة قضية المفقودين في الحرب الأهلية، ولا قانون كشف مصيرهم قد طُبِّق، ولا الهيئة المخوّلة تقفّي أثرهم تعمل. راهن المسؤولون على الوقت لطمس القضية والتخلّص من الذاكرة الجماعية، لكن من بقي من أهالي المفقودين هرموا ولم ينسوا. تعلّق الوجع تجاعيد على وجوههم وما زالوا ينتظرون، حفظوا الذاكرة بعناية وعرضوها في «خط زمني»… المعرض الذي رابطت فيه وداد حلواني على مدى عشرة أيام في مبنى جريدة السفير في الحمرا. مثل النحلة النشيطة، تشرح للزوّار خريطة نضال «لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان» بعد مرور 40 عاماً على تأسيسها. تدلّهم على التقسيمات الزمنية والمستويات الثلاثة: الشخصية، على الأرض، الرسمية. تستعيد 150 محطة موثقة بالإنفوغرافيك والصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو ومقتطفات من الجرائد.
تُدهش الزوّار أرشفة 255 وثيقة معروضة من أصل 10 آلاف وثيقة تملكها اللجنة، ويسألون عن رقمنتها لحفظ التاريخ، فتبدي حلواني، رئيسة اللجنة، اهتماماً لفعل ذلك. تروي «عام 2017 بدأنا العمل على مأسسة أرشيف اللجنة لنقله من ملكيتها الخاصة إلى العامة، كونه يشكل مرحلة من تاريخ لبنان، وفي سبيل ذلك نظمنا ورش عمل خاصة بالأرشفة بالتنسيق مع موظفين في الجامعة الأميركية في بيروت ومؤسسة المحفوظات الوطنية».
تعارف الأهالي
بعد استعراض أهم محطات الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990) التي شكلت عمليات الخطف على الهوية أحد أبرز علاماتها، بدأت سردية الخط الزمني من حقبة تعارف أهالي المفقودين. «في متلك كتير»، عبارة ردّدها مسؤولون رسميّون على مسمع وداد عندما سألتهم عن مصير زوجها المفقود عام 1982، وكانت دافعاً لتبحث الشابة عن «الكتار اللي متلها»، فدعتهم إلى لقاء تعارفي لبّته مئات النسوة، وانطلقن في أول مسيرة تحمل لواء قضية المفقودين، من كورنيش المزرعة باتجاه القصر الجمهوري في الصنائع، لمقابلة رئيس الحكومة آنذاك شفيق الوزّان. ردُّ الأخير: «العين بصيرة واليد قصيرة» كان محبطاً للأهالي ومشجّعاً في آن، نتج عنه ولادة «لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان».
على طول الخط الزمني، تمضي السنوات من دون أي خبر عن المفقودين باستثناء إطلاق القوات اللبنانية سراح 33 مخطوفاً. تتعدّد صور الأهالي بالأبيض والأسود معلقة على الجدران، يرفعون صور من فقدوا، في العيون والحناجر أسئلة لا جواب لها. يبرز العنصر النسائي بشكل لافت بمختلف الأعمار: يفترشن الطريق، ينصبن الخيم، ويقدن التظاهرات. وبين الوثائق والصور تُنثر صور بعض المفقودين مطبوعة على خشب. تقدر قوى الأمن الداخلي عددهم بـ17 ألفاً، وتشير الاستمارات التي ملأها الأهالي في اللجنة إلى أكثر من 2158 مفقوداً، 94% منهم ذكوراً و6% إناثاً، و79% لبنانيين و15% فلسطينيين و2% سوريين و4% من جنسيات أخرى. كذلك تبيّن أنه في عام 1976 سجّلت أعلى نسبة مفقودين (468) يليها عام 1982 (452).