كتبت دوللي بشعلاني في” الديار”: أظهرت أزمة اعتماد التوقيتين الصيفي والشتوي في لبنان في آنِ واحد، هشاشة العيش المشترك، وتمسّك كلّ طائفة بخــصوصيتها، ما أعاد الى الأذهان تقسيم بيروت الى «شرقية» و«غربية» خلال الحرب اللبنانية، وأعاد الى الواجهة الحديث عن تركيبة جديدة أو نظام جديد للبنان يعيش فيه أبناؤه على مختلف ديانتهم وطوائفهم وتنوّعهم وانتماءاتهم بطريقة أفضل وبأمن وسلام وطمأنينة واستقرار لعقود كثيرة مقبلة… وعاد طرح الفيديرالية والتي تعني «الإتحاد» وليس «التقسيم»، كما هو سائد في لبنان، ليتصدّر الأبحاث والمقترحات لإيجاد حلّ لنظام لبنان الذي لم يعد يتلاءم مع المرحلة الراهنة، ولا سيما في ظلّ إعادة رسم الخارطة الإقليمية والدولية. فهل يتجه لبنان الى اعتماد احد هذه الطروحات مثل الفيديرالية، أو اللامركزية الإدارية، وسواهما لوضع «عقد سياسي جديد» سبق وأن تحدّث عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الى لبنان بعد انفجار 4 آب 2020، في ظلّ تمسّك الكثيرين، في الداخل والخارج، باتفاق الطائف وعدم المساس بنصّه أو تعديل أي من بنوده؟!
تقول مصادر سياسية مطّلعة بأنّ أزمة التوقيتين الصيفي والشتوي اللذين اعتُمدا في لبنان، أظهرت مدى الإنقسام الطائفي السائد، مع الأسف، رغم التغنّي بأنّه «البلد النموذجي للعيش المشترك في منطقة الشرق الأوسط»، كما ظهّرت بالتالي مشهد الإنقسام السياسي من خلال محاولة كلّ مكوّن سياسي وديني التفرّد شخصياً بقرار يعني الشعب والبلد من دون الأخذ برأي الطرف الآخر، ما يعني عدم احترام رأي الشريك الذي يفرض الدستور على كلّ جهة أن تتقاسم معه كلّ شيء. وأشارت الى أنّ المناطق اللبنانية قسّمت نفسها مع أزمة التوقيتين، فالمسيحية منها التزمت بقرار سيدّ بكركي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أي بالتوقيت الصيفي العالمي، فيما التزمت المناطق الإسلامية بقرار برّي- ميقاتي الذي اتُخذ بموافقة إستثنائية من ميقاتي لتعديل القرار المعتمد والمتعلّق بتقديم التوقيت المحلي ساعة واحدة خلال فصل الصيف.. فأعلن عن بدء العمل بالتوقيت الصيفي مع نهاية شهر رمضان، ممّا يسمح للمسلمين بالإفطار يومياً في وقت أبكر.. غير أنّ بعض المؤسسات ولا سيما التي تضمّ أشخاصاً من مختلف الطوائف، قد تضعضعت، ولم تعرف أي توقيت تعتمد لمصلحة وخير الجميع. من هنا، وبما أنّ الدستور يُشكّل عقداً سياسياً وإجتماعياً في كلّ بلد، على ما أضافت المصادر نفسها، أعادت أزمة التوقيتين الشتوي والصيفي الى الواجهة الحديث عن ضرورة تطبيق نظام سياسي جديد في لبنان، لكي يتمكّن الشعب من العيش بطمأنينة وهناء واستقرار وبحبوحة، بدلاً من الهجرة وبأعداد كبيرة الى الخارج.
ومن هذه الطروحات، الفيديرالية واللامركزية الإدارية الموسّعة التي نصّ عليها «اتفاق الطائف» ولم يتمّ تطبيقها حتى الآن. على أن يجري صياغة تركيبتها بحسب ما يتلاءم مع الثقافة اللبنانية، وخصوصاً أنّ للفيديرالية حسنات وسيئات. فصحيح أنّها مطبّقة في 26 بلداً، وتشمل 42 % من شعوب العالم، غير أنّ هناك 5 أو 6 دول لا تزال تعاني من المشاكل رغم تطبيق هذا النظام الذي من شأنه تقديم الحلول لمشاكل البلاد مثل البلقان ويوغوسلافيا وروسيا والهند.. فيما تعيش 22 دولة في العالم تُطبّق الفيديرالية في سلام وازدهار. فبعض التجارب مثل الولايات المتحدة وكندا وألمانيا والنمسا وسويسرا وبلجيكا، كما الإمارات العربية المتحدة، هي نماذج جيّدة للفيديرالية، على ما أوضحت، ولهذا يجب على لبنان الذي كان يُعتبر في ستينات القرن «سويسرا الشرق» أن يُطبّق، في حال أجمع اللبنانيون من سياسيين وعامّة الشعب على اعتماد نظام جديد للبلاد، الصيغة السويسرية أو البلجيكية كونهما الأقرب الى واقعه. فلا بدّ من الاستفادة من تجارب الدول التي نجحت فيها الفيديرالية وتكييفها مع واقع لبنان.