دعوة للعصيان واستعداد للشارع.. لماذا يرفع باسيل سقف المواجهة؟!

28 مارس 2023
دعوة للعصيان واستعداد للشارع.. لماذا يرفع باسيل سقف المواجهة؟!


بدعوة مناصريه إلى الاستعداد للعودة إلى الشارع مجدّدًا، ليهتفوا بصوت واحد “نحن السيادة ونحن الحرية في لبنان”، اختتم رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل كلمته في المؤتمر الوطني الثامن لـ”التيار”، الذي استهلّ مساء الجمعة بعشاء تمويل، واستكمل السبت بحوار شبابي، قبل مؤتمر الأحد التنظيمي، الذي حمل شعار “نحنا منبقى 14 آذار لما الكل بينسوه”.

Advertisement

 
ومع أنّ مؤتمر “التيار” السنوي جاء على وقع أزماتٍ داخلية من المستوى “الخطير”، بشهادة صندوق النقد الدولي الذي حذّر قبل أيام من دخول لبنان في أزمة “مفتوحة بلا نهاية”، في إشارة إلى الضائقة الاقتصادية المصنّفة من بين “الأسوأ” في العالم، والتي زادها تعقيدًا الفراغ الرئاسي وما نتج عنه من شلل عمّ كلّ المؤسسات، فإنّ “الشغل الشاغل” لباسيل وغيره، لم يكن سوى “الساعة”، التي طغت على كلامه قبل وخلال وبعد المؤتمر.
 
فباسيل الذي كان أول من افتتح السجال الذي أخذ أبعادًا طائفيّة بغيضة، حين دعا إلى “العصيان” في وجه قرار إرجاء بدء العمل بالتوقيت الصيفي، قبل أن يثير الجدل بحديث عن “تخلّف ورجعية”، استوحى من “الساعة” الكثير من مضامين كلمته الختامية، التي لم تخلُ من الرسائل “المعبّرة” على المستوى الرئاسي قبل غيره، ما يطرح السؤال مرّة أخرى: لماذا يرفع باسيل سقف المواجهة إلى هذا الحدّ، وفي هذه المرحلة؟!
 
أبعد من “الساعة”
 
لم تكد زيارة رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان تنتهي، حتى كان “جرس الإنذار” الذي قرعه في نهايتها من الوضع “الخطير جدًا” الذي يشهده لبنان، يُرمى جانبًا، بعدما وجد اللبنانيون أنفسهم في قلب سجال لم يخالوا يومًا أنّهم قد يخوضونه، على خلفية قرار إرجاء بدء العمل بتوقيت صيفي لأيام، سجال لم يعرف أحد كيف بدأ، ولا كيف وصل لحدّ اتخاذ أبعاد طائفية، لدرجة الحديث عن توقيت “شتوي” لهذه المنطقة، و”صيفي” لتلك المنطقة.
 
صحيح أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” كان أول المشاركين في “الحملة” على القرار الإداري، لكنّه لم يكن “وحيدًا”، إذ إنّ المفارقة المثيرة للانتباه تمثّلت في أنّ القوى التي لا يوحّدها شيء، اتفقت على الهجوم على القرار، ليبدو وكأنّه “أصل البلاء”، بل “مصيبة المصائب” التي يتخبّط فيها البلد، في مشهد “سريالي” حمل بين طيّاته “انفصامًا عن الواقع”، خصوصًا في ظلّ ردود الفعل التي بدا بعضها مُبالَغًا به، بل “مضخّمًا” إلى حدّ بعيد.
 
فحتى لو صحّت فرضية أنّ القرار ما كان يجب أن يؤخذ بالشكل الذي اتخذ به، وأنّه كان يفترض التحضير له قبل أشهر، من أجل تهيئة الأرضية اللازمة له، بما يتعلق بالنظام العالمي للوقت، وحتى لا تحدث أيّ فوضى على مستوى الهواتف وأجهزة الحاسوب والأنظمة المعلوماتية وغيرها، فإنّ بعض التأويلات لما جرى أثارت الكثير من “الريبة”، حول وجود “قطبة مخفية”، ولا سيما بعد اعتبار البعض القرار “استهدافًا” لطائفة أو مذهب.
 
عدّة المواجهة
 
استنادًا إلى ما تقدّم، يرى العارفون أنّ المسألة أبعد بالتأكيد من “الساعة”، فسواء صحّ القرار المرتبط بالتوقيت الصيفي أم لم يصحّ، فإنّ الأكيد أنه ليس سبب “العزلة” التي يخشى منها اللبنانيون، وقد دخلوها بكلّ ثبات، يوم أحجموا عن انتخاب رئيس جديد، فتركوا جمهوريتهم بلا رأس، وبمؤسسات مشلولة ومعطلة، تقوم القائمة إذا ما اجتمعت، ويوم أفلتوا العنان للدولار الذي بات يزيد على خمسة أصفار في العملة الوطنية “المنهارة”.
 
وبمُعزَل عن النظرية القائلة إنّ “الساعة” لم تكن سوى “ملهاة” نجح بعض الزعماء في دفع مناصريهم باتجاهها، لإلهائهم عن “الأولويات” التي يجب أن تشغلهم، وبما يحقّق لهم بعض “الشعبوية” في زمن أفول نجمهم، يقول العارفون إنّ “القطبة المخفيّة” تبقى خلف طيّات مؤتمر باسيل، الذي يوجّه من خلف تصعيده “رسائل حازمة” لمن يعنيهم الأمر، ترتبط حصرًا بالاستحقاق الرئاسي الذي لا يبدي الرجل ارتياحًا لمساره.
 
في هذا السياق، يلفت العارفون إلى مضمون كلام باسيل في مؤتمره، سواء ما هو مكرّر منه لجهة كونه “مرشحًا طبيعيًا” للرئاسة، ولو لم يعلن ترشيحه، ووضعه ذلك في سياق ما يصفها بـ”التضحيات والتنازلات”، ولكن الأهمّ من ذلك، ما قاله عن “حزب الله” الذي اتّهمه مرّة أخرى، بشكل غير مباشر، بـ”عدم الصدق”، حين أوحى بتلقّيه وعدًا من الأخير بعدم السير بأيّ مرشح رئاسي ما لم يكن قد حصل على موافقته الضمنية سلفًا، وهو ما يخالف الواقع.
 
بين تقديم وتأخير الساعة، التهى اللبنانيون، فغاصوا في سجالات بغيضة، باحثين ربما عن “جنس الملائكة”، ليعطوا تأجيل تقديم الساعة أبعادًا مضخّمة، ويبالغوا في ردود الفعل التي تجاوزت المنطق. وفيما استغلّ بعض الأفرقاء ذلك لتوجيه بعض الرسائل، كما فعل باسيل مع “حزب الله”، بقيت النتيجة واحدة، فالبلد مشلول ومعطّل، والعزلة واقعة في ظل الفراغ، أما الفتنة فنائمة لعن الله من أيقظها، بتوقيت صيفي أو شتوي لا فرق!