إلى نواب الأمّة… لا تنقلوا الشارع إلى ساحة النجمة

29 مارس 2023
إلى نواب الأمّة… لا تنقلوا الشارع إلى ساحة النجمة


من بين الأشياء الصعبة التي يتعلمها الطفل هي تعّلم قراءة الساعة. ومتى أجادها لا يعود يخطئ في التوقيت والمواقيت. ومن المفيد التذكير أن “زوبعة الساعة” قد أصبحت وراءنا بعدما حرّكت الغرائز الطائفية، التي يُقال إنها لم تنم يومًا منذ إعلان لبنان الكبير حتى اليوم، مرورًا بما شهده لبنان من خضّات كبيرة، سواء في العام 1958 أو في العام 1975، وما تخللها من خضّات صغيرة لم تخلُ من العصبيات، التي لم تستطع المهدئات الظرفية مداواتها، وذلك على رغم أن ثمة كثيرين من اللبنانيين لا يزالون يؤمنون بأن صيغة العيش الواحد تحت سماء واحدة هي الصيغة الأفضل لبلد صغير مثل لبنان، مع اعترافهم بأن ما يطفو على السطح من وقت إلى آخر ينسف نظرية إمكانية العيش تحت سقف واحد. 

Advertisement

ومن بين الأشياء التي تطفو بين الحين والآخر ما شهدناه بالأمس في “ساحة النجمة” من نقاشات اقلّ ما يُقال فيها أنها “بعيدة سفر سنة” عن الجو الديمقراطي المفروض أن يكون سائدًا خلال ما يمكن أن يطرحه هذا النائب أو ذاك من طروحات، على عكس ما حصل داخل جلسة اللجان المشتركة، حيث تمّ نقل الشارع وما فيه من تخاطب غير متزن وتعابير نابية إلى حيث يجب أن تكون الغلبة للعقل والمنطق والحكمة. 
وفي رأي هؤلاء المؤمنين بلبنان التعددي والتشاركي أن ما حصل في اليومين الأخيرين من استنفار على الجبهات الطائفية لا يدعو إلى الطمأنينة والتفاؤل بأن المستقبل قد يكون أفضل من الماضي، خصوصًا أن الأصوات العالية التي سُمعت مؤخرًا كشفت مضامين ما يتمّ التفكير به سرًّا. وهذا أخطر ما يتعرّض له لبنان في الوقت الحاضر، وهو أخطر بكثير من الضائقة الاقتصادية والأزمة المعيشية والمشاكل الاجتماعية. فلكل هذه الآفات حلول، إن عاجلًا أم آجلًا. أما مرض الطائفية فلا حلول له، ولا دواء. وقد يكون مفعول المسكنات التي جُرّبت في الماضي قد أجّل الانفجار إلى حين، ولكنه لم يستطع أن يزع فتيله أو صاعقه. 
الخطير في الأمر ليس الخلاف على تفسير قرار تأخير مفعول العمل بالتوقيت الصيفي إلى ما بعد شهر رمضان، بل في ما خرج إلى العلن من مواقف فضحت زيف البعض، الذي كان يعتبر حتى الأمس القريب أن جاره القريب أفضل من أخيه البعيد، وهو الذي كان يعتمد عليه أوقات الضيق، ويستنجد به عندما يجد نفسه في خلاف مع أهل بيئته. فما يباعد بين هذا البعض، وهم في كل مكان وزمان، وبين أهل بيته، أكثر بكثير مما يباعد بينهم وبين عقارب ساعة لا تقدّم ولا تؤخرّ. وإذا أردنا الغوص في تفاصيل هذه الخلافات بين “الأخوة – الأعداء” لوجدنا أنها أعمق وأخطر بكثير من الخلاف على المواقيت. فالخلاف في وجهات النظر حول المواقيت قد يُطفأ، وإن كشف العورات الطائفية والغرائزية لدى البعض. أمّا الخلافات المستحكمة بين مكونات أساسية في البلد فلا شيء يمكن أن يخفّف من وهجها، خصوصًا أن تجارب الماضي القريب في التقريب ما بين “الخيّ وخيّو” لم تنجح وسقطت بالضربة القاضية، يوم طغت المصلحة الفردية على المصلحة الجماعية. 
صحيح أن فتيل التفجير قد نُزع، وأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأن الزمان هو للآتي ليس لما مضى، ولكن ما كشفته ساعة الحقيقة هو أخطر ما في الأمر. فتكرار “مشهد الساعة” وارد في أي ساعة. وقد يكون لمفاعيله المستقبلية تداعيات لا تعود تنفع معها المسكّنات ولا حتى “المورفين”، مع ما يخشاه البعض من اللجوء إلى البتر واستئصال المرض من جذوره قبل أن يفتك هذا المرض الخبيث بالجسم كله، حيث لا يعود ينفع لا دواء ولا طبيب.   
مشهدية جلسة اللجان المشتركة عيّنة. وقبل أن يفوت الأوان نقول لنواب الأمة: لا تنقلوا الشارع إلى “ساحة النجمة”، وإلى جلسات اللجان ولا إلى نقاشاتكم.