أمر محسوم.. ميقاتي مستمرّ بمهامه الوطنيّة

30 مارس 2023
أمر محسوم.. ميقاتي مستمرّ بمهامه الوطنيّة


من المؤكد أن افتعال “أزمة الساعة”، وكذلك ما تخّلل مناقشات جلسة اللجان النيابية المشتركة، لم يكونا “بنت ساعتهما”، بل نتيجة تراكمات وممارسات سياسية منذ أن خُيّل للبعض أن اتفاق الطائف قد وضع حدًّا للحرب اللبنانية، التي وضعت رحالها، ولكن على زغل. فالطائف طًبّق انتقائيا واعتباطيًا، وبالتالي لم يجلس الذين كانوا حتى الأمس القريب يتراشقون بالقذائف إلى طاولة واحدة ويطرحوا كل الهواجس على بساط البحث، ويتصارحوا في شكل شفّاف، ويتناقشوا في كل الأمور غير المحسومة، كمقدمة لازمة لمصالحة حقيقية لم تحصل. وما نشهده بين الحين والآخر من تراشق كلامي ومن اتهامات متبادلة ومن تخوين ليس سوى نتيجة متوقعة لعدم تصفية ما في النفوس، خصوصًا أن ما في النصوص لم يعد صالحًا لإزالة هذا الكمّ من الاوساخ العالقة في الأذهان، والتي تطفو على السطح عند أول هبّة ريح من خلال ممارسات تناقض ما بُني منذ إعلان لبنان الكبير حتى اليوم. وما بُني على باطل فهو باطل. 

Advertisement

فالبلاد من دون رئيس للجمهورية؛ ومن دون تشريع؛ ومن دون حكومة تُترك تعمل؛ ومن دون مؤسسات تقوم بدورها؛ ومن دون أفق؛ ومن دون أمن اجتماعي وغذائي، وقد نصل إلى فقدان الأمان بمفهومه الأمني. فالانهيار شامل. والشلل يعمّ كل القطاعات. الفوضى مستشرية. الجميع على أعصابهم، وما حصل في جلسة اللجان أكبر دليل على أن الناس يقفون على براميل بارود. فأي كلمة في غير محلها قد تُشعل فتيل حرب جديدة.   
المؤمنون بأن البلاد لا تزال قادرة على النهوض، على رغم هذا الكمّ الهائل من المشاكل والصعوبات، أوصلوهم، وبصيغة المجهول، إلى حافة اليأس والقنوط بعدما تحمّلوا ما لا يُحتمل. كانوا يعتقدون، عن قناعة، أن الشمس طالعة والناس قاشعة، وأن لا بدّ في نهاية المطاف من الوصول إلى برّ الأمان، وأن ليل اللبنانيين لن يطول، وأن نور الحقيقة سيشّع من جديد. ولكن الممارسات على الأرض جعلت هؤلاء المؤمنين والصابرين والعاضّين على الجراح يعيدون حساباتهم، وأن تكون لديهم مقاربة مختلفة للأمور، بحيث أنهم لن يقبلوا بعد اليوم أن يكونوا كبش محرقة وفداء فيما الآخرون يتفرّجون، وهم غير مستعدين على تقديم حتى كوب ماء واحدة لإطفاء الحريق، وعلى تقديم أي تنازل. المسؤولية جماعية؛ مسؤولية ما حصل، ومسؤولية ما سيحصل. ومن غير المنطقي أو المقبول رمي كل هذه المسؤولية على شخص واحد. 
ما قاله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في كلامه الأخير فيه الكثير من الحقيقة الموجعة، وفيه الكثير من الغضب الألم الذي يعتصر قلبه، لأنه يرى أن البلاد واصلة حتمًا إلى قعر الهاوية، فيما يستمرّ الآخرون، جميع الآخرين من دون استثناء، في ممارسة الكيدية السياسية، واعتماد أسلوب “عنزة ولو طارت”، ويتعمّدون وضع العصي في دواليب ما تبقى من مؤسسات لا تزال تجاهد للحفاظ على ما تبّقى من أمل بمستقبل واعد على رغم كل هذا السواد. 
فهذا الكلام بما فيه من واقعية وحقائق يجب أن يكون حافزًا للجميع لكي يقفوا من جديد أمام مرآة الحقيقة غير المشوّهة، وأن يتحمّلوا المسؤولية الملقاة اليوم على شخص واحد دون سواه، وأن يبادروا فورًا إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وأن ينصرفوا إلى تشكيل حكومة جديدة، وأن يوقفوا كل هذه المهازل في حق البلاد والعباد. 
في النهاية، سيجد الذين يراهنون على وهن أصحاب الإرادات الصلبة أنفسهم معزولين ومرذولين، لأن هؤلاء الذين لا يزالون يؤمنون بأن لبنان هو لجميع أبنائه، وإن باعدت بينهم خلافات يجب حلّها بمواجهة حقيقية وبصراحة مطلقة، مصمّمون على مواصلة ما بدأوا به يوم قبلوا بالتقاط كرة النار بأيديهم العارية. هم غاضبون طبعًا. هم قلقون على المصير، لكنهم حريصون على ألا يتركوا السفينة في عرض البحر تتقاذفها الأمواج العاتية من كل حدب وصوب من دون ربّان.