من أجلِ “إنتخاباتٍ بلدية”، كاد مجلسُ النواب أن يشهد، الثلاثاء الماضي، على “حربٍ نيابية” بإمكانها أن تنسُف كل الآمال بإقرار القوانين المطلوبة للتعافي. حتماً، المشهدُ السياسي مُريبٌ بكافة تفاصيله، والأكثر غرابة هو أنَّ الأطراف السياسية وبدلاً من “تطويق” الإنهيار، راحت تُسارعُ إلى “صبّ” الزيت على النار “نيابياً”، فيما المشهديّة الإنقاذية غائبة حتى الآن مع الحلول المطلوبة.
ما جرى يوم الثلاثاء إنما يُعتبر مُقدّمةً لإشكالات قد تحصلُ لاحقاً بشأن مواضيع بارزة أخرى، والخوف الأكبر هو أن تطير أي جلسةٍ تُطرح فيها القوانين المطلوب إقرارها لإتمام الإتفاق المُنتظر مع صندوق النقد الدوليّ. عندها، كيف ستكون مواقف الكُتل النيابية أمام الجهات المانحة؟ هل بات التعطيلُ مقصوداً للمراهنة على “إستواء” الناس تماماً وسقوط الإقتصاد أكثر؟ ماذا يريدُ مجلس النواب بكافة هيئاته من خلال الإنقسام الذي يُكرّسه.. هل بات لبنان فعلاً بحاجةٍ إلى إنتخاباتٍ نيابية جديدة تُساهم في إنتاج مجلسٍ إنقاذي حقاً؟ وهل هذا الأمرُ ممكناً؟
من دون أدنى شك، أضحى واضحاً أنّ المجلس الحالي بكافة أطيافه ولاّداً للأزمات المتلاحقة، فمنذ بداية عهده قبل نحو عامٍ من الآن، ولا حلول مُنتجة. فالمشهدُ مرتبطٌ فقط بتعطيل وتناحر، فيما غابت سُبل الحوار عن الكتل النيابيّة، وباتت الملفات الأساسية مثل القوانين اللازمة لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، مُقيّدة خلف أسوار برلمان ساحة النّجمة. وأمام هذا الواقع، أصبحَ لزاماً حقاً النظر في تركيبة المجلس النيابي، فخطوات الإنقاذ بالوضع القائم قد تكونُ شبه مُنعدمة، وفي حال استمرّ الوضع كذلك، عندها “ستنفضُ” الدولُ يدها من لبنان، ما يعني وقوعَ “الفاس بالراس”.
بالنسبة لأطرافٍ عديدة، فإنّ الحل قد يكونُ بإنتخابات نيابية جديدة تساهم في تكوين السلطة مُجدداً. هنا، وبالنسبة لمصادر سياسية متابعة، فإنَّ المطالبات الدولية كانت تتحدّد بضرورة انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية، لكن يجب لفت النظر أيضاً إلى أن تلك الدول يجب أن تُدرك تماماً أن تقعُ المعضلة، لأن “دينامو” السلطة في لبنان هو السلطة التشريعية، ومهما كان رئيس الجمهورية قوياً، فإنّ قدرة تعطيل عمله ستكون سهلة جداً في حال كان المجلس النيابي تعطيلياً بإمتياز. عندها، لا إنقاذ، لا إتفاق مع صندوق النقد الدولي ولا خطط للتعافي.
مع كل ذلك، فإنّ إجراء إنتخابات في الوقت الراهن قد يكون متعذرا، فلا قرارَ دوليا بذلك، كما أنّ القدرات المالية للدولة لا تسمحُ بهذا الأمر. أما الأمر الأهم فهو أنّ إجراء إنتخابات وفق القانون الحالي يعني إنتاج السلطة نفسها والأطراف ذاتها. وعملياً، فإن المشكلة لا تكمن هنا، إذ أنّ إجراء إنتخاباتٍ جديدة وفق قانونٍ مختلف يتطلب إقرار الأخير في مجلس النواب، فهل هذا الأمرُ متوفر؟ هنا، تقول مصادر سياسية مراقبة: “البرلمان الحالي شهد عراكاً من أجل إنتخابات بلدية.. فكيف له أن يُنتج قانون انتخابٍ جديد من أجل إستحقاق نيابي؟ هل الأطراف السياسية جاهزة حقاً لذلك؟ إذا كانت الطبقة السياسية عازمةٌ على الإصلاح، فإن عليها الشروع فوراً للبحث عن قانون جديدٍ يضمن إنتخابات عادلة وتُخرج لبنان من أزمة برلمانية مُستعصية، وإلا سنبقى في مكاننا ولا حلول”.
ما لا تُدركه القوى السياسيّة مُجتمعة هو أنّ “الشلل النيابي” الحالي سيؤدّي إلى إقصاء لبنان عن الخارطة الدوليّة أكثر فأكثر، كما أن “العراقيل” على صعيد السلطة التشريعية ستقصي الإصلاحات التي تطالب بها دول القرار وفي طليعتها المملكة العربيّة السعودية وفرنسا. وإنطلاقاً من ضرورة تحريك العجلة التشريعية، بات لزاماً على المجلس النيابي وضع خطة واضحة لتكريس الحلول بمنأى عن العصبيّات، ذلك لأنّ بقاء لبنان بحالته القائمة راهناً، تعني أنه قد يخسر فرصة الإتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبالتالي وقوع الإقصاء عن الحلول. كذلك، فإنّ عدم المبادرة بهذا الإتجاه يعني أن الدول الخليجية لن تساعد لبنان طالما أن الإصلاحات لم تتحقق، وطالما أنّ النظام السياسي لم يشهد على تغيرات فعلية بالإتجاه الصحيح.
أمام كل ذلك، بات مطلوباً أكثر فأكثر الإنتباه إلى الإتجاه الخطير الذي يسلكه الوضع، فأساس العملية السياسية تبدأ من السلطة التشريعية.. فمن انتخاب رئيس للجمهورية إلى منح الحكومة الثقة وصولاً إلى إقرار القوانين الإصلاحية، كلها خطواتٌ يجب على البرلمان إتمامها للوصول إلى بر الأمان، والمطلبُ هنا دوليّ قبل أن يكون لبنانياً، وصدق نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي حينما قال قبل يومين: “الحلول ممكنة إذا وجدت الإرادة السياسية”.. فهل يتلقف المجلس النيابي تلك الدعوة؟ وهل سيتعاطى بجدية مع التحذيرات الأخيرة التي أطلقتها الجهات المانحة قبل أيام بشأن الوضع في لبنان وعلى رأسها صندوق النقد الدولي؟ الإجابة كفيلة بالظهور مع الوقت والممارسات…