ليس مستغرباً أن لا يحرز ملف النازحين السوريين أي تقدم يذكر رغم كثرة المناشدات اللبنانية الرسمية والحزبية لحل هذه المعضلة التي فاقمت أزمات لبنان الاقتصادية والاجتماعية. وبدل أن ينخفض عدد النازحين مع انتهاء الحرب في سوريا، فإن الأعداد تجاوزت المليونين و40 ألفا في لبنان مع بداية هذا العام وباتوا يتوزعون على مختلف المحافظات اللبنانية من دون استثناء لكن بنسب متفاوتة، علما أن صفة النزوح لا تنطبق على كل السوريين في لبنان، فهناك قسم كبير يتنقل بين الحدود من دون رادع ويحمل صفة “النازح” للاستفادة المادية، والخوف يبقى بحسب أوساط سياسية من أن يصل عدد النازحين السوريين ليساوي عدد اللبنانيين المقيمين في هذا البلد في السنوات المقبلة إذا بقيت الامور على حالها وارتفعت نسبة الهجرة.
يسكن معظم هؤلاء النازحين في تجمعات ومخيمات يقارب عددها ثلاثة آلاف، وغالبيتها يتوزع بين البقاع والشمال، يعانون الامرين على مستوى البنية التحتية لكنهم في الوقت نفسه يحصلون على مساعدات ويتقاضون كل شهر اموالا بالدولار من المنظمات الدولية تفوق رواتب بعض موظفي القطاع العام في لبنان، وهذا ما دفع محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر إلى رفع الصوت خلال اجتماع الهيئات الإغاثية في المحافظة، معلناً أن “النازح يتقاضى أكثر منه شهريا، فضلا عن انه يحصل على مساعدات مالية وغذائية وطبابة وتعليم، في مقابل حرمان الموظف الرسمي والمواطن اللبناني”.
ما قاله خضر ليس جديدا أو مفاجئا لأحد من اللبنانيين، لكن المفارقة تكمن أن هذا الملف كان عرضة للتجاذبات السياسية الضيقة ولا يزال مرتبطاً بأحوال المنطقة وتقلباتها. فكثيرة هي المؤتمرات التي عقدت من أجل دعم الدول المضيفة، الا ان توصياتها ومقرراتها بقيت حبرا على ورق، لاقتناع المعنيين الدوليين والاقليميين، أن النازح السوري باق حيث هو بانتظار الحل السياسي في سوريا الذي لا يزال بعيدا، طالما أن البوصلة الأميركية اليوم ليست موجهة تجاه الشرق الاوسط.
ينهي اليوم مفوض الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات يانيز لينارتشيتش زيارته لبنان والتي استمرت يومين التقى خلالها رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار ممثلين عن منظمات دولية ومنظمات مجتمع مدني ، على ان يعقد مؤتمرا صحافيا شارحا الهدف من زيارته وتصوره لحل ازمة النازحين، وسط معلومات تشير إلى احتمال ان يتطرق الموفد الاوروبي إلى اهمية تنظيم مؤتمر مخصّص للبحث بهذا الملف، ولايجاد الحلول جدية لهم، بهدف عودتهم إلى سوريا أو إعادة توطينهم في دولة ثالثة، كما اوصى الوزير حجار. ويأتي هذا التحرك، بالتزامن مع توجه نواب في البرلمان الأوروبي إلى التقدم الشّهر المقبل بمشروع قرار يتعلّق بعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، بحسب ما تبلغ الوفد النّيابي اللّبناني الموجود في بروكسل.
رغم كل الحراك الغربي، الا ان النتائج تصب في اتجاه ابقاء النازحين في لبنان إلى اجل غير مسمى، وبحسب مصادر سياسية مطلعة لـ”لبنان24″ إلى ان لا نية جدية بعودة النازحين إلى المناطق السورية والتي باتت آمنة، مشيرة إلى ان ما يجري يشكل عامل خطر اكثر من اي وقت مضى، فالاوضاع في لبنان على الصعد الاقتصادية والاجتماعية تدحرجت نحو الأسوأ لا سيما في الاشهر الماضية، ليبقى الاهم ان هذا الوجود(السوري) يشكل خطرا على الديمغرافية والصيغة اللبنانية والوجود وبالتالي لا بد من ان تتوحد المواقف الغربية لا سيما الاوروبية والعربية من اجل مساعدة لبنان على انهاء هذه الازمة التي طالت خاصة وان لبنان غير ملزم باستقبال النازحين، مع اشارة المصادر إلى ان الموقفين الفرنسي والالماني هما الاكثر تشددا حيال بقاء النازحين في لبنان وضرورة تقديم المساعدات لهم، وهذا ما يمكن تلمسه من خلال انقاقهما الكبير للمال على هذا الملف.
وعليه، فإن أزمة النزوح ستطول، فإنجاز الاستحقاق الرئاسي وتأليف حكومة لا يعني على الإطلاق أن هذا الملف سيحل، ولو انتخب رئيس تيار المرده سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، فالمشكلة ، كما تقول مصادر دبلوماسية أكبر من البلدين، ولا يحلها رئيس قريب من دمشق، ومن السابق لأوانه ايضاً الرهان على الاتفاق الإيراني – السعودي والتقارب السعودي – السوري لعودة النازحين، فالمملكة لا تهتم بهذا الملف الممسوك من الإتحاد الأوروبي، ولذلك فإن الدور السعودي اسوة يتمثل بالمشاركة في إعادة الاعمار التي تنتظر ولوج الحل السياسي، لأن المشكلة ليست بين لبنان وسوريا بقدر ما تتصل بالقرار الدولي الذي وحده يعيد النازحين من حيث اتوا او يبقيهم حيث هم ويعمل على دمجهم في المجتمعات المضيفة.