نظّمت جامعة سيدة اللويزة NDU والمركز الدولي لعلوم الانسان في جبيل CISH بالتعاون مع وزارة الثقافة والمؤسسة الألمانية “هانس سايدال” وضمن فعاليات الشهر الفرنكوفوني المؤتمر الدولي “اللغات والترجمة .. سياقات في اللغات”، في مقر الجامعة برعاية وحضور وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى وحشد من الاكاديميين والمتخصصين والخبراء المحليين والأجانب في مجال الترجمة واللغات.
وفي السياق، القى المرتضى، راعي المؤتمر، كلمةً إعتبر فيها أن أهمّ ما لدى اللبنانيين هو موروثهم وأنّ أهم ما في موروثهم أن اجدادهم الذين سكنوا هذه الأرض قبل آلاف السنين هم اصحاب أهمّ اختراعٍ في تاريخ البشرية وهو الحرف ولولا اختراعهم هذا وتصديرهم له لكانت البشرية أخذت مساراً اخر لها .”
وتوجه وزير الثقافة للطلاب: “عندما نكون في صرحٍ كهذا الصرح استلهم اسمه من اسم السيدة العذراء علينا أن نُدرك بأنّ هذا الصرح هو اذن نتاج الإيمان الإيمان الذي يُحدث الفرق في حياة الانسان ويرتقي به في انسانياً وتربوياً واكاديمياً… يجب الحذر من بعض ما يقال من أن ازمتنا في لبنان هي المذاهب والأديان، هذا من اخطر ما يحاك اذ يحاول اعداء اللبنانيين أن يصوّروا لهم أن المشكلة عندكم هي في الدين… يريدون أن يلغوننا عبر الغاء موروثنا وهويتنا واهمّ ما في موروثنا وهويّتنا هو لغتنا وتاريخنا الصحيح البهيّ وايماننا المتعدّد… الايمان ايها الأحبّة هو الذي يحفظنا مسلمين ومسيحيين ويحفظ وطننا”.
واضاف: “تزدحم المناسباتُ الطيبةُ في هذا الأسبوع. من عيد الأم، إلى يوم المرأة العالمي، إلى قدوم الربيع، إلى الذكرى الخمسينَ لانضمام لبنان إلى منظمة الفرنكوفونية، إلى بَدْءِ رمضانَ الكريم وصولًا إلى عيد البشارة. مواسمُ جميلةٌ، سِيّانِ أَقيلَتْ بالعربيةِ أم تُرجمَت إلى لغاتٍ أخرى، فإنها قُزَحُ الثقافةِ اللبنانيَّةِ التي يشكل فضاؤها مُتَّسَعًا رَحْبًا يسكنُه التنوُّعُ المبدِعُ الذي هو ميزةُ بنيه، وتأوي إليه ألسنةُ الشعوبِ وأيامُها، فهي بعدئذٍ جزءٌ من تراثِه الحضاري المتراكم”.
وتابع: “اللغةُ، ما اللغة؟ (كلُّ ما هو كائنٌ لا يمكنُ أن يكونَ إلا في “معبد اللغة”. وفي هذا المعبد يقيم الإنسان دائمًا، لأن هذا المعبد هو الذي يجعل من الإنسان موجودًا يعبر عن نفسه.”إن اللغةَ هي بيت الوجود” الذي يسكنه الإنسان، وفيه يتخذ كلُّ شيءٍ مكانَه). هكذا تكلم هايدغر منذ زهاء قرن، وما زال قولُه صحيحًا إلى اليوم، باعتبار اللغةِ سِمَةً عُليا من سمات الهوية الشخصية والجَمعية. وهذا القول يستدعي طرحَ السؤالِ عن فعلِ الترجمةِ في إخراج المتَرجَمِ له من لغتِه، بيتِ كينونتِه، ونفيِه إلى منزلٍ آخر لم يألَفْه. وهل من الممكن أن يجدَ الأثرُ المترجمُ وطنًا جديدًا في اللغة الأخرى؟
كما اشار الى ان “هذا المؤتمرُ سيجيبُ بلا ريبٍ على كلِّ الأسئلة. لكنَّ علينا أن نتذكر أن العرب في زهو حضارتهم قاموا لترجمة الفكر اليوناني إلى العربية، ومنها تسرب إلى أوروبا فكان أساس عصر التنوير والنهضة فيها. وأن المستشرقين الغربيين منذ أواخر القرن الثامن عشر نقلوا إلى اللغات الأوروبية قسمًا مهمًّا من التراث العربي فكان لذلك تأثير مباشر على ازدهار الآداب الأوروبية واغتناء مصادرها، ولعل خير مثال على ذلك، الشاعر الألماني الكبير غوته ولا سيما في كتابه “ديوان شرقي غربي” الذي احتوى نفحاتٍ صريحةً عربيةً وحتى فارسية.”أما عصر ما بعدَ الحداثةِ الذي نعيشُ في ظلالِه، بما أفسَحَتْ تِقنيّاتُه الرقميةُ من تلاقٍ بين الشعوب وتواصلٍ بين الأماكن، فقد جعل الترجمةَ مهمةً أكثرَ فاعليَّةً وانتشارًا. بل لعلَّها باتت حبلَ المـَشيمةِ الذي يجمع الثقافاتِ المنتشرةَ على كوكبِ الأرض إلى جسدِ الحضارة الإنسانية المتكاملة، بحيث تكون الترجمة سبيلًا لنشر قيم التسامح والتلاقي وتفهم الآخر المختلف. وفي هذا المجال، ولأنَّ لكلِّ لغةٍ عبقريتَها وكيانَها البنيويَّ وأسلوبَها، ورسمَ حروفِها، فينبغي للمترجم أن يكون متضلعًا، لا من اللغتين فحسب، بل من علومٍ أخرى موصِلة، كالتاريخ والسياسة والاقتصاد والاجتماع وسائر الأحوال التي ترعى شعبَ اللغة المترجَمِ عنها، واللغةِ المترجَمِ إليها، ليكون أمينًا للحقيقة في نقلِ الأفكار والصور والمجازات بمعانيها المقصودة أو بإيحاءاتِها التي تتضمنُها”، معتبرا ان “مؤتمر اللغة والترجمة سياقات عبر الثقافات، المعقود بالشراكة مع المركز الدولي لعلوم الإنسان- اليونكسو بيبلوس، وشريكتِه المؤسسة الألمانية الداعمة هانس سايدال، في حرمِ جامعة سيدة اللويزة، يشكل في تنظيمه صورةً عفويةً من صور الترجمة من الألمانية إلى العربية والعكسُ بالعكس، لجهودٍ وخبراتٍ ومشاريعَ تكشفُ التقاربَ الذي نتمنى أن يكون نهجًا متبَعًا في جميع الثقافاتِ وسياسةً معتمَدةً لدى جميعِ الدول”.
وختم: “يبقى أن الترجمةَ الملحة التي ينادي بها اللبنانيون في سرِّهم والعلن، هو أن يسرع ممثلوهم وأحزابُهم إلى ترجمة الأقوال إلى أفعال، فيبادروا إلى انتخاب رئيس جديدٍ للجمهورية يعيد الانتظام إلى مسار الحياة الدستورية، ويكون راعيًا لعملية التعافي الاقتصادي التي طال انتظارُها. أما الذين لا يُحسنون الترجمة، ولا يتقنون سوى لغة الفراغ والتعطيل، فأدعوهم إلى الاستعانة بمترجمٍ بارع، هو الحوار الذي لا بدَّ منه في حميع مفاصل الحياة”.