إنه يوم عيد الشعانين، يتجهّز الأطفال بأجمل الملابس وأبهاها لوناً حاملين بأيديهم الشموع المزّينة بالألوان التي تتلاءم مع ثيابهم. قد يكون هذا السيناريو متّبعاً هذه السنة لدى العديد من العائلات المسيحية التي تظلّ أيسر حالاً من سواها التي اختارت الإحتفال بالعيد من دون أي تكلفة. ففيما يعيش اللبنانيون في إحدى أسوأ الحقبات على الصعد كافة، أيّ شكل سيتّخذه عيد الشعانين اليوم؟
مع تقلصّ القدرة الشرائية لدى المواطنين بسبب الواقع الإقتصادي المتردّي، وقع الأهالي بين سندان فرحة الطفولة، ومطرقة التحديات اليومية. فويلهم إذا لم يلبّوا مطالب صغارهم ولو بالحدّ الأدنى، وويلهم إذا قصّروا معهم في سائر احتياجاتهم الحياتية اليومية.
من هنا، تقول سمر، وهي أمّ لصبيين، إنها عمدت مع زوجها إلى اقتطاع مبلغ مالي بانتظام من الرواتب الضئيلة التي يقبضانها، وكلاهما يعمل بوظيفتين، وذلك بهدف محاولة تأمين ثمن ولو شمعتين للولدين.
وقالت لـ”لبنان 24″: “لم نجد شمعة مزينة بأقل من 10 دولار وأنا بحاجة إلى اثنتين، أي توجّب عليّ دفع أكثر من مليوني ليرة لبنانية”.وعن تفضيلها الشموع على الثياب، أشارت سمر إلى أن “بكلّ صراحة، أردت أن أشتري غرضاً جديداً للولدين. وحين نزلت إلى السوق، صعقت بالأسعار الخيالية للثياب، فارتأيت أن الشمعة “أرحم”.
وقالت: “سروال، قميص، وجاكيت لصبي بعمر الـ 6 سنوات، ثمنها لا يقلّ على 5 ملايين ليرة، أي 10 ملايين للصبيين، فيما راتبي مجموعاً مع راتب زوجي لا يتخطى الـ15 مليون شهرياً”.
وأضافت: “نعيش في مجتمع هشّ وهمّه المظاهر على الرغم من الضائقة المالية التي أصابت الجميع كلّ على حسب ما يملك، إلا أن الأطفال يجب أن يبقوا خارج هذه اللعبة”، موضحة أنها تخشى من التنمّر على ولديها إذا لم يظهرا حاملين على الأقل شمعة مزيّنة تماماً كمعظم الأولاد.
رأي سمر لا يختلف كثيراً عن رأي الياس، الذي اضطرّ لبيع قطعة من الذهب الذي تلقّته طفلته لدى ولادتها كي يشتري فستاناً لها لعيد الشعانين بقيمة 50$.وقال في حديثه لـ”لبنان 24”: “نمرّ في أسوأ ضائقة مالية في تاريخنا، إذ ضاع جنى عمرنا سدى وكل ما ادخرناه سابقاً بات من دون قيمة اليوم ولا يكفي لشراء فستان وشمعة لطفلتنا في عيد الشعانين”.
وأضاف:” في الوقت عينه، ليس من السهل عليّ أن ترتدي ابنتي فستان السنة الماضية الذي بات صغيراً عليها اليوم، فاضطررت لبيع قطعة من الذهب كي أفرحها في العيد”، مشيراً إلى أن الشمعة المزيّنة هي هديّة من جدّة الطفلة.
وتابع الياس: “بهذه الطريقة، أظلّ قادراً على إكمال الشهر ودفع الفواتير وإحضار الطعام، إذ أن الراتب بات قليلاً جداً اليوم نسبة لغلاء الفاحش الذي يحيط بنا على الصعد كافة”.
إلا أنّ لميراي وجهة نظر مغايرة، فأشارت إلى أن “العيد لم يكن يوماً بالثياب والزينة، متسائلة: “ألن يقبلنا يسوع المسيح الذي صلب على خشبة، سوى إذا ما أتيناه بأجمل الثياب”؟
وقالت لـ”لبنان 24″، “لبّست ولادي من بعضهن” وابتعت لهم الشموع العادية من السوبرماركت وجلسنا جميعاً لنزيّنها بأغصان الزيتون”.
وأضافت: “يوم الشعنينة هو يوم عادي من الناحية الحياتية، إذ أنه سيمرّ تماماً مثل غيره، إلا أن قيمته الروحانية أهمّ بكثير، مشددة على أن الهدف بالنسبة إليها هو أن يفهم أطفالها معنى العيد الحقيقي.
واعتبرت ميراي أن واجبها كأمّ وكسيّدة مؤمنة، أن تنشئ أولادها على روحانية العيد ورمزيّته الدينية، وأن تفسّر لهم لماذا نضيء الشمعة ونزّينها بغصن الزيتون، فهي ترمز ليسوع نور العالم.
في حين يتسمّر لبنان على خشبة آلامه سائراً في درب الجلجلة التي رسمت له من قبل من سلّموه مقابل “مليارات من الفضة”، لا يزال الأمل بأنه سيقوم من عتمته. أما أبناء الوطن، فيتسّلحون بما تبقى لديهم من أمل منتظرين قيامة لبنان من بين الأموات!