هل يمكن أن نصدّق أن العدّ توقّف عند الرقم 13، وهو رقم يتشاءم منه الكثيرون؟ وهل يمكن أن تكون مقولة أن الرئيس السابق ميشال عون هو آخر رئيس للجمهورية اللبنانية، ويجرؤ البعض على القول إنه آخر رئيس ماروني؟ وهل ما نراه اليوم من خلاف مسيحي – مسيحي، وعدم توافق لبناني – لبناني، على الأولويات والأساسيات هو مقدّمة لما يُمكن أن يكون عليه الوضع في لبنان، وقد يكون ربما مغايرًا للبنان الذي نعرفه اليوم، والذي طالما أردنا أن نعيش بفيئه وتحت سمائه في وحدة تعايشية صادقة، تسودها الصراحة كشرط أساسي لتثبيت أسس المصالحة الجماعية؟
كل هذا وما سيليه من تطورات قد يعتبرها البعض سوريالية المظاهر تكشف أن من في يدهم الأمر، وهم كثيرون، لا يريدون قيامةً للبنان، وهم يعملون على أن تكون جلجلته دائمة. فقيامة لبنان تتطلب أولًا وقبل أي أمر آخر الحدّ الأدنى من التوافق على تحديد معالم المعضلة التي أُريد للبنانيين أن يعيشوها بكل ما فيها من مرارة وشقاء وتعاسة. وعليهم أن يجيبوا عن سؤال لم يجد اللبنانيون من مسؤوليهم جوابًا شافيًا له. فإذا كان ما يحاول البعض ترويجه عن احتمال تغيير وجه لبنان الذي نعرفه غير صحيح فعلى من في يدهم مفتاح الحلّ والربط أن يقولوا للبنانيين إن مقولة الرقم 13 ليست سوى أضغاث أحلام، وعليهم بالتالي أن يثبتوا لنا العكس، ويقولوا لنا عن أي رئيس يفتشون ولأية جمهورية.
الجلسة الحادية عشرة، التي قيل زورًا إنها لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، كانت الأخيرة في حسابات حقول البعض، التي لم تنطبق على بيادر الخارج، وذلك قبل أن ينقلونا إلى الجزء الثاني من “المسرحية الهزلية”، التي تبكي أكثر مما تُضحك. فهي كانت كسابقاتها من الجلسات الاستعراضية لتضييع الوقت أو لشراء وقت قد يكون من السهل شراؤه اليوم، وقد يصبح مستحيلًا غدًا أو بعده.
فـ”شراء” الوقت قد يكون لمصلحة هذا الفريق، الذي لا يزال ينتظر “تعليمات” الخارج، ولكنه لن يكون بالتأكيد لمصلحة اللبناني، الذي لم يعد يملك أي خيار سوى خيار مراقبة حركة سعر صرف الدولار الأميركي صعودًا في مقابل التدهور المريع للقدرة الشرائية لليرة اللبنانية، التي لم تعد تساوي شيئًا في عملية الشراء والبيع، خصوصًا بعدما أصبح التبادل التجاري قائمًا على الدولار في بلد “مدولر” اقتصاده. وقد يكون أخطر ما في الأمر أن اللبناني قادر على التأقلم مع كل الظروف. وهذا ما جعل المسؤولين يتمادون في استغلال هذه الناحية الامعان في سوء استخدام السلطة وإدارة شؤون البلد بعيدًا عن أي محاسبة، وذلك بحجّة أن “اللبناني شاطر، وهو قادر أن يشيلها من تمّ الأسد”. انقطعت كهرباء الدولة نراه يفتشّ عن حل بديل آخر، فحلّت المولدات الخاصة شيئًا فشيئًا مكان الدولة وشركة كهرباء لبنان، التي لم يعد لها وجود على خارطة الاهتمامات اليومية للمواطنين إلاّ بمقدار ما يمكن أن تدّر على بعض أصحاب الحظوة كميات خيالية من الدولارات “الطازجة”. وإذا لم تأتِ مياه الشفة إلى المنازل يركض اللبناني إلى البدائل، حيث الصهاريج جاهزة لملء الفراغ، إذا لم تسعفه البدائل يلجأ إلى الاستعانة بأقارب له في الخارج.
وهكذا نرى اللبناني يتّلوى على جمر النار من دون أن تُترك له فرصة التفتيش عن وسائل تمكّنه من فرض التغيير. فهو مشغول في يومياته وما فيها من مشاكل. فكل همّه اليوم هو تحصيل ما يمكن أن يطرد شبح الجوع عن عائلته. لم يعد يؤمن بالحلول السحرية بعدما أوصلوه إلى حافة اليأس، وهو الواقف على “صوص ونقطة”، أو كما يُقال “لا تهزّو واقف ع شوار”.
فهذا “الواقف ع الشوار” لم يعد يصدّق الوعود، ولم تعد السياسات التي تُطبخ هنا وهناك تعني له شيئًا. ولذلك نراه غير مبالٍ، ولا يتحرّك للمطالبة بأدنى حقوقه كموطن يرى وطنه ينهار أمام عينيه، وهو عاجز عن القيام بأي حركة من شأنها على الأقل أن تؤخّر هذا الانهيار.
فعن أي حلول يتحدّثون وقد بلغ الفقر من اللبنانيين مبلغًا؟