إن لم تتوافق القوى السياسية على مرشح لرئاسة الجمهورية قادر على أن يتواصل مع الجميع من دون استثناءات، وقبل أي أمر آخر، فعبثًا يتعب الساعون في الخارج إلى فرض ما لا يمكن القبول به لبنانيًا، أو على الأقل ما يرفضه هذا الفريق وتعارضه تلك الفئة. فالأساس يبقى في نظر الكثيرين تفاهمًا لبنانيًا – لبنانيًا على الثوابت، التي يُفترض أن تكون مشروع أي رئيس عتيد. وخلاف ذلك هو مضيعة للوقت.فإذا لم يتوافق اللبنانيون، أو جزء كبير منهم على ما هو أهمّ من المهم، فإن المراوحة ستفرض نفسها على الجميع، في الداخل وفي الخارج، وستبقى البلاد من دون رئيس للجمهورية، وبالتالي من دون مؤسسات دستورية، بدءًا بالسلطات الرئيسية، وهي العمود الفقري لأي استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي وحتى أمني.
فمن دون رئيس للبلاد، وهو رمز وحدتها كما ينصّ عليه الدستور ومنطق الأشياء والمسار الطبيعي لها، فلا سلطة تنفيذية كاملة المواصفات، ولا سلطة اشتراعية واضحة الأهداف والمعالم، ولا سلطة قضائية ترسي العدل، الذي هو أساس الملك، ولا حياة سياسية سويّة، ولا قيامة للبنان من تحت أنقاض الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، التي بلغت حدًّا لم يعد في مقدور أي لبناني تحمّله، حتى ولو كانت أموره الحياتية “مستورة”. وهذا الرئيس الذي أصبحت مواصفاته معروفة من قِبَل القاصي والداني، والتي باتت بلورتها بوضوح مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي يجب إسقاطها على هوية الشخص أو الأشخاص، الذين تتطابق هذه المواصفات على مسيرتهم السياسية، وعلى نهجهم ومدى استعدادهم للسير بما يمكن أن يتمّ التوافق عليه، من ضمن استراتيجية لا لبس فيها ولا زغل. فهذا الرئيس، الذي لا يزال اسمًا على غير مسمّى، لن يرى النور ما لم يتوافق الجميع، ومن دون استثناءات كما أسلفنا، على معالم المرحلة المقبلة من عمر الوطن، وهي مرحلة تتطلب أول ما تتطلبه، اقتناع جميع هذه المكونات بأن البلاد هي لجميع اللبنانيين بالتساوي بين ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وأنه ليس هناك مواطن بـ “سمنة”، ومواطن آخر بـ “زيت”، وأن القانون هو الذي يعلو ولا يُعلى عليه، وأن الدستور ليس وجهة نظر، وأن الولاء الأول والأخير يجب أن يكون لبنانيًا قبل أي شيء آخر. فالاستحقاق الرئاسي مفروض أن يكون بتوافق داخلي يباركه الخارج، وليس العكس. لأن ما يمكن أن يكون عكس إرادة حتى فئة واحدة من اللبنانيين سيزيد من عمق الأزمة، ولن يأتي بمشروع حل. وأي فرض خارجي على إرادة الداخل سيكون تمديدًا للأزمة، واستمرارًا لمأساة اللبنانيين وعذاباتهم اليومية. وفق ما يتناهى إلى أسماع اللبنانيين، وإن بالتواتر والايحاء، فإن هذا الخارج، الذي يتحرّك على أكثر من خطّ، لن يدخل في لعبة الأسماء، ولن يتدّخل لفرض هذا المرشح أو ذاك الذي تراه هذه الدولة مناسبًا للظرف الذي يعيشه لبنان. وليس بالضرورة أن يكون ما يراه الخارج متطابقًا مع ما يناسب لبنان وجميع اللبنانيين، وربما العكس هو الصحيح. فتجارب الماضي علّمت من لا يُلدغ من الجحر مرّتين أن لهذا الخارج مصالح في كثير من الأحيان لا تناسب هذه الجهة أو تلك الفئة. وقد يكون لبعض هذا الخارج مصلحة أكيدة في أن يبقى الوضع في لبنان مستقرًّا، وألا تتحوّل الفوضى السياسية والتخبّط المالي والاقتصادي إلى فوضى أمنية، ولكن ما ليس صحيحًا أن لا بديل في النهاية للبناني عن التوافق والتفاهم الداخليين.