يربط العديد من المتابعين الأسباب التي تحول دون إنتخاب رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة، بسياسة سلفه الرئيس السابق ميشال عون. فتميّزت ولاية الأخير باندلاع إحتجاجات “17 تشرين” وزيادة التوتّر السياسيّ الذي أدّى إلى عدم تشكيل الرئيس سعد الحريري حكومته الأخيرة، إضافة إلى فكّ تحالف “معراب” بين “القوّات اللبنانيّة” و”التيّار الوطنيّ الحرّ”، وتحميل ما آلت إليه الأوضاع الإقتصاديّة في البلاد إلى الفريق الرئاسيّ آنذاك، وعدم مشاركة الأحزاب “المعارضة” في آخر حكومتين، وعزوف تيّار “المستقبل” عن الحياة السياسيّة.
ازاء كلّ ما تقدّم، ليس هناك من نيّة لدى أغلبيّة النواب بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وانتخاب رئيسٍ “تحديّ” تابعٍ لأحد المحاور السياسيّة. لكن المفاجأة أتت بعدما أعلن “الثنائيّ الشيعيّ” دعمه لفرنجيّة، الذي يُعتبر شخصيّة مسيحيّة بارزة من فريق الثامن من آذار، ومُؤيّدة بقوّة لحركة المقاومة في المنطقة، بينما هناك معارضة كبيرة داخليّة وخارجيّة لانتخاب رئيسٍ شبيهٍ لعون، لأنّ الهمّ الأساسيّ هو معالجة الأوضاع الإقتصاديّة والمعيشيّة، وهذا يحتاج إلى تضافر جهود جميع الأفرقاء من دون إستثناء.
فإذا وصل فرنجيّة بتسويّة ما، عندها لن تُشاركه “القوّات” و”الكتائب” وبعض النواب المعارضين وكتلة “المجتمع المدنيّ” وربما “الوطنيّ الحرّ” في الحكومة الجديدة، ما يعني أنّه سيُواجه معارضة شديدة لن تسمح له بالعمل، وسيتميّز عهده بالتعطيل كما كان الحال عليه خلال السنوات الستّ الماضيّة. وهنا بيت القصيد، لماذا يضع “حزب الله” كلّ قوّته ويحتجز الإستحقاق الرئاسيّ لانتخاب حليفه، وهو أكثر الذين يعلمون أنّ الرئيس عون كان على خصومة سياسيّة كبيرة مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي وأفرقاء آخرين؟ وأبعد من ذلك، لا يزال “الثنائيّ الشيعيّ” يرفض أيّ تسويّة لا تشمل وصول فرنجيّة، في دلالة على أنّ هناك توجّهاً جديداً من قبله لانتخاب رئيسٍ حزبيّ، حتّى لو طال الفراغ الرئاسيّ.
وفي هذا الإطار، اصطدم “حزب الله” و”حركة أمل” بالنواب المسيحيين الذين لا يُؤيّدون وصول فرنجيّة، بالإضافة إلى إصرار رئيس الحزب “التقدميّ الإشتراكيّ” وليد جنبلاط على انتخاب رئيسٍ وسطيّ، وإستمراره بتسويق بعض الأسماء التوافقيّة. ويقول مراقبون إنّ معركة “القوّات” كما “الكتائب” هي عدم تكرار تجربة ميشال عون، فقرّرا التصعيد عبر التلويح بتطيير النصاب إنّ تأمّنت الأصوات الكافيّة للإقتراع لفرنجيّة.
إلى ذلك، لم يستطع “الثنائيّ الشيعيّ” حتّى اللحظة تأمين 65 صوتاً لفرنجيّة، والدعوة لجلسة إنتخاب، لأنّه لم يُؤمّن الأصوات التي خسرها من تكتّل “لبنان القويّ” الداعم لوصول رئيسه جبران باسيل إلى سدّة الرئاسة. توازيّاً، تفاجأ أيضاً برّي والسيّد نصرالله بعدم تجاوب “اللقاء الديمقراطيّ” وكتلة “الإعتدال الوطنيّ” إيجابيّاً مع ترشّيح فرنجيّة، لأنّ كلمة السرّ لم تصدر من المملكة العربيّة السعوديّة، التي تُبدي رفضها وصول رئيسٍ كميشال عون.
ورغم أنّ الحركة العربيّة والدوليّة تتسارع للدفع نحو إنجاز الإستحقاق الرئاسيّ، فإنّ المبادرة الفرنسيّة وبالأمس القريب القطريّة لم تلحظ تقدّماً في الملف، إذ أنّ الرياض ليست مطمئنة ولا متحمّسة لانتخاب رئيسٍ تابعٍ لمحور “الممانعة”، وحتّى لو عادت علاقاتها الدبلوماسيّة مع إيران وانتهت الحرب في اليمن. فيقول مراقبون إنّ وصول فرنجيّة سيُكرّس لبنان مرّة جديدة لطهران، التي ستُعزّز موقعها في المنطقة من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين.
ويُضيف المراقبون أنّ فرنجيّة لو كُتب له النجاح لن يكفيه تنفيذ بنود إتّفاق الطائف فقط، وإنّما عليه الإلتزام بالحياد والصداقة مع الدول العربيّة والغربيّة، الأمر الذي لا يستطيع تطبيقه، لأنّ “حزب الله” سيعمل العكس، وسيستمرّ بسياساته الداعمة لإيران، والعدائيّة للدول الخليجيّة والولايات المتّحدة الأميركيّة. ويُتابع المراقبون أنّ أيّ رئيسٍ “ممانع” سيتّجه شرقاً إلى روسيا والصين وإيران، ويبتعد عن الحضن الخليجيّ والأوروبيّ، ويُذكّرون أنّ الرئيس عون لم يُعارض إدخال “الحزب” شاحنات الوقود والمازوت الإيرانيّة إلى لبنان، عن طريق سوريا، علماً أنّ الكثيرين اعتبروا أنّ هذه الخطوة مماثلة لعمليّات التهريب غير الشرعيّة، وغير الخاضعة لسلطة الدولة.
ويتوقّف المراقبون عند كلام رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، الذي أعلن بصراحة عن رفض أيّ رئيس يقبل بأنّ يقوم الخارج وصندوق النقد الدولي بإملاء ما يجب أنّ يقوم به في السياسة والإقتصاد، أيّ أنّ الضاحيّة الجنوبيّة ليست متحمّسة أيضاً مع فرنجيّة بمعالجة الوضع الماليّ عن طريق الجهّات المانحة والبنك الدوليّ، وإنّما من خلال حلفائها في المنطقة، ومثال على ذلك مناداة السيّد نصرالله في مناسبات عدّة للترحيب بالإستثمارات الصينيّة والإيرانيّة والروسيّة في مجالات الطاقة والدفاع.
وأمام كلّ ما تقدّم، تُشير أوساط معارضة إلى أنّ إنتخاب فرنجيّة سيُقويّ “حزب الله” أكثر، وسيكون الأخير هو الحاكم الفعليّ لولاية جديدة، عبر فرض شروطه واستمراره بتقرير مصير لبنان والخروج عن قرارات الدولة الشرعيّة. وتتوقّع الأوساط أنّ لا تخضع السعوديّة لأيّ تسويّة قد تُبعد البلاد عن الحضن العربيّ مرّة أخرى، فإذا كان لديها اليدّ الطولى لتحريك الإستحقاق الرئاسيّ، فإنّها ستعمل على تشجيع وصول شخصيّة وسطيّة.
وتختم الأوساط قولها إنّ الرئيس عون لم يستطع الإلتزام أو إعطاء الضمانات لدول مجلس التعاون الخليجيّ، وقد فشل بسبب “حزب الله” في إصلاح علاقة لبنان معها، وتتخوّف الرياض من تكرار التجربة عينها، حتّى لو كانت نيّة فرنجيّة حسنة تجاه الدول العربيّة، غير أنّ الكلمة الفصل تبقى للسيّد نصرالله، وهذا ما أثبتته التجربة السابقة. وتُتابع الأوساط أنّ سياسة عون ربما تكون قد وضعت حدّاً للقبول بانتخاب رؤساء حزبيين، وبشكلٍ خاصّ “ممانعين”.