صواريخ الجنوب والتصعيد الإسرائيلي.. ما خلفيات الحملة على الحكومة؟!

11 أبريل 2023
صواريخ الجنوب والتصعيد الإسرائيلي.. ما خلفيات الحملة على الحكومة؟!


 
على وقع “الجمود” المهيمن على البلاد، والذي عمّقته أكثر عطلة عيد الفصح المجيد، ضمن سلسلة من عطل الأعياد المستمرّة هذا الشهر، جاء “تسخين” الجبهة الجنوبية، بعد إطلاق عدد من الصواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، في أعقاب الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في المسجد الأقصى، ليعيد فتح السجال القديم الجديد حول قرار “الحرب والسلم”، وآليّات اتخاذه في بلدٍ يبدو معرّضًا في أيّ لحظة لـ”المجهول”.

Advertisement

 
صحيح أنّ الآراء في الشارع انقسمت، كالعادة، بعد عمليّة إطلاق الصواريخ، بين من رحّب بها، باعتبار أنّها جاءت “ردّة فعل” على “فعل” موغل في الاستفزاز تقدم عليها قوات الاحتلال الإسرائيلي يومًا بعد يوم، ومن ندّد بها، باعتبار أنّ التضامن مع القضية الفلسطينية، لا يكون عبر إقحام لبنان في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، خصوصًا أنّ الأمور كان يمكن أن تنزلق إلى مواجهة عسكرية غير محمودة، وهي آخر ما يتوقعه اللبنانيون.
 
لكنّ المفارقة التي توقف عندها كثيرون، تمثّلت في “الحملة” التي شنّها البعض على الحكومة، لأسباب معلومة ومجهولة، حتى إنّ هناك من لم يتردّد في الاعتراض على الشكوى التي تمّ رفعها ضدّ العدو الإسرائيلي، وكأنّ المطلوب كان أن تصمت الحكومة على مثل هذا الانتهاك والتصعيد، بذريعة أنّ “خرق” القرار 1701 جاء من لبنان أولاً، الأمر الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام، وربما “الريبة”، على أكثر من مستوى.
 
ما فعلته الحكومة
 
كان من الطبيعي أن يحمّل العدو الإسرائيلي، كما يفعل في كلّ مرّة، الحكومة اللبنانية مسؤولية التصعيد في الجنوب، بعد إطلاق دفعة من الصواريخ من داخل لبنان إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، في سياق “الحرب النفسية” التي يشنّها العدو، الغارق في أزمات داخلية غير مسبوقة، علمًا أنّ هناك من اعتبر عملية إطلاق الصواريخ في هذا التوقيت بالذات “خدمة مجانية” لرئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، غير القادر على ضبط التحركات المناهضة له.
 
لكنّ ما لا يبدو طبيعيًا، كان أن “يتبنّى” البعض في الداخل هذه السرديّة، فيحمّل الحكومة مسؤوليات أكبر منها، بل يتّهمها عن التقاعس في المتابعة والمعالجة، في حين أنّ العكس هو الصحيح كما أكّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي لفت إلى أنّه أجرى منذ اللحظات الأولى الاتصالات مع جميع المعنيين، ومع الجهات الدولية الفاعلة، ولكن بعيدًا عن الأضواء، لأنّ هذه المسائل لا تُعالَج بالصخب الإعلامي أو التصريحات الصحافية.
 
ويشير العارفون إلى أنّ الاتصالات نجحت بالفعل في الحدّ من التوتر، الذي كان يمكن أن يأخذ البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، علمًا أنّ موقف الرئيس ميقاتي الرافض لأيّ تصعيد عسكري من الأراضي اللبنانية كان واضحًا، وهو ما أسهم في تخفيف التشنّج الذي ساد في الساعات الأولى، وهو ما تجلى بوضوح من خلال الرد الإسرائيلي “المحدود”، والذي قيل إنّه كان “مضبوطًا ومدروسًا”، بفعل الضغوط الدولية، بحيث لا يؤدي إلى المزيد من التوتر.
 
ما مشكلة الشكوى ضد إسرائيل؟
 
لكن بمعزل عمّا فعلته الحكومة، أو ما لم تفعله، وهو ما قد يحتمل الكثير من الأخذ والردّ من هذا الطرف أو ذاك، فإنّ المفاجئ برأي كثيرين كان التصويب من قبل البعض على الشكوى التي قدّمتها الحكومة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن بعد القصف الإسرائيلي الذي شكّل خرقًا جديدًا للقرار 1701، باعتبار أنّ الخرق بدأ من لبنان، رغم أنّ هذا البعض يصمت على الانتهاكات الإسرائيلية اليومية للسيادة اللبنانية، برًا وبحرًا وجوًا.
 
وإذا كان التصويب على الشكوى جاء من منطلق التنديد باستخدام الأراضي اللبنانية من قبل فصائل غير محلية لإطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، فإنّ الإخراج لم يكن موفّقًا وفق ما يقول العارفون، لأنّ انتهاك السيادة لا يمكن أن يكون مبرّرًا، وتصوير إسرائيل هنا وكأنّها في موضع “ردّة الفعل” لا يستقيم، وهي التي تنتهك كل القرارات الدولية بصورة يومية، ولا تعير أيّ اعتبار للقوانين الدولية ذات الصلة، كما يعرف القاصي والداني.
 
لا يعني ما سبق عدم وجود مشكلة مع الفصائل التي تستخدم الأراضي اللبنانية بشكل يمكن أن يورّط البلد في حرب غير مجدية، ولا عدم وجود معضلات لم تحلّ بعد، على رأسها ملف سلاح المخيمات، لكنّها مشكلة ليست مستجدّة، ولا تُحمَّل المسؤولية عنها، علمًا أنّها سبق أن طرحت على طاولات الحوار المتعاقبة، وقيل إنّ اتفاقًا تمّ التوصل إليه لنزع هذا السلاح، لكنه لم يجد طريقه للتطبيق، ولم يشهد أيّ متابعة أو مراجعة من المعنيّين.
 
يرى البعض أنّ المشكلة ليست في صواريخ الجنوب “اللقيطة”، إن جاز التعبير، ولا في قدرتها على التسبّب بحرب عسكرية يكون لبنان طرفًا فيها، ولو من غير إرادته، ولا في شكوى يفترض أن تكون “روتينية” ضد عدو يتمادى في انتهاكاته. المشكلة، كلّ المشكلة، في الوضع السياسي، الذي يجعل الحكومة “كبش محرقة” في ظلّ فراغ شامل، يصرّ المصوّبون على الحكومة قبل غيرهم، بإدامته إلى ما شاء الله!