كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”: فُتح ملف النازحين مجدداً، في الآونة الأخيرة، في أكثر من منطقة، انطلاقاً من وقائع سياسية وأمنية، وأيضاً اقتصادية كما عبّر عنها أخيراً البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. وفيما تتحدث أرقام غير علنية تقدمها جمعيات عن مليونين و800 ألف نازح سوري في لبنان، تشير معلومات إلى أن عدد المليونين الذي تعتمده الأجهزة الرسمية لا يزال هو نفسه منذ نحو ست سنوات، وهذا ليس منطقياً مع تبدّل المعطيات الديموغرافية على الأرض. وفيما يتعذر إجراء إحصاء دقيق، فإن هذا يعني أن عدد النازحين السوريين وحدهم بات يشكل أكثر من نصف عدد اللبنانيين المقيمين، والمقدر في أقصى أحواله بأربعة ملايين. وهذا وحده عنصر ضغط على أي دولة في العالم، فكيف في لبنان، حيث للأعداد تداعيات طائفية، وتتحول دوماً محور مشادات سياسية، كما حصل أخيراً في الحديث عن عدد المسيحيين في لبنان، خصوصاً أن قوى سياسية تعتبر أن فتح الملف السوري اليوم يأخذ هذا المنحى الابتزازي، تتمة للحديث عن المادة 95 من الدستور وإلغاء الطائفية السياسية، التي تفتح عند كل استحقاق مفصلي.
عملانياً، أخذت قضية النازحين أبعاداً جديدة في الأسابيع الماضية، مع زيادة الحديث في البقاع والجنوب، وبين شخصيات فاعلة سياسية وإدارية، في موضوع النازحين السوريين. وتعزز ذلك في غير منطقة بدأت ترفع الصوت إزاء تمدد السوريين وتوسع شبكة أعمالهم وتجاراتهم. وظهر العامل الاقتصادي، للمرة الأولى، بهذه الحدة، كعنصر ضغط في مختلف المناطق، علماً أن هناك مناطق تتمتع بقدرة ذاتية على تأمين الأمن وتحقيق رقابة أكثر فاعلية من غيرها. فيما أُتخمت مناطق استسهل السوريون الدخول إليها في السنوات الأولى من الأزمة، لقربها من الحدود، بقاعاً وشمالاً، فانتقلوا إلى الداخل، وبدأوا تكوين تجمعات شعبية، ليس في مخيمات وإنما في مجمّعات سكنية وتجارية مستأجرة. وهنا، تقع المسؤولية، في الدرجة الأولى، على سلطات محلية وبلديات يتهم كثير منها بالتواطؤ مع جمعيات أممية ومحلية وغضّ النظر عن ارتكابات، وعن تمدد النازحين وتوسّع أعمالهم، تحت وطأة ترغيب بالمساعدات. وتقع المسؤولية ثانياً، بحسب أمنيين، على اللبنانيين أنفسهم الذين يستفيدون مالياً من خدمات السوريين وتوسع أعمالهم وإقامتهم.
يصعب تجاوز العامل الاقتصادي كعنصر ضاغط يولد الانفجار بين مجتمعات لبنانية وسورية، وهذا الأمر يشكل ورقة ضغط ومساومة قابلة للاستعمال في أي لحظة مطلوبة. لكن هذا لا يعني أن وقائع الانفلاش داخل المناطق، ليست مختلفة عن معطيات النزوح الفعلي نتيجة الحرب السورية. والتعاطي السياسي مع ما يجري من ظواهر أمنية واقتصادية ومالية لها صلة بالنزوح السوري، لم يكن منذ أن اندلعت الحرب على مستوى خطورة ما كان متوقعاً أن يحصل من تداعيات. لا الثنائي الشيعي ولا التيار الوطني الحر حققا من موقعهما، أكثر من اتهام المعارضة اللبنانية بتغطية النزوح، ما كان يفترض أن يمنع الانزلاق نحو مجتمع سوري، فتيّ جديد، داخل مجتمع لبناني، مع كل ما يمثله ذلك من متغيرات على مستويات تؤثر في البنية اللبنانية. ولا الحكومة الحالية تتصرف على مستوى الحدث بأن هناك تحولاً يتعلق بالنزوح يفترض التعامل معه بأهميته. لذا سيبقى ملف النزوح موسمياً، يستخدم حين تدعو الحاجة، فيما خطره باق ويتمدد من منطقة إلى أخرى.