في خطابٍ له قبل ثلاثة ايام وبعد الهجمات الصاروخية من جنوب لبنان وغزة وسوريا باتجاه المُستعمرات الإسرائيليّة، اعترفَ رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بأنَّ “الرّدع في إسرائيل تضرّر”، مؤكداً أنه “سيتمّ العمل على تعزيزه”. هنا، يعدُّ كلام نتنياهو دلالة سيئة جداً للجيش الإسرائيليّ وإنكساراً لـ”شوكتِه” العسكريّة، كما يعتبرُ تأكيداً على وجود ضعف متغلغلٍ في أساس البنية الأمنيّة الإسرائيليّة، الأمر الذي يعدُّ مؤشراً خطيراً بالنسبة لتل أبيب.
ما قاله نتنياهو لا يعدّ عادياً وسط إضطرابٍ حقيقيّ تشهده المنطقة بأسرها، خصوصاً بعدما بات الحديثُ عن إندلاع حربٍ ضد “إسرائيل” من جبهات مُتعددة أبرزها جنوب لبنان وغزّة، الهاجس الأول لدى القيادة العسكرية الإسرائيليّة، والشغل الشاغل للمُحلّلين في كيان العدو. وعملياً، فإنَّ الحديث عن “تضرّر الردع” يعني أنّ الجيش الإسرائيلي قد لا يكونُ قادراً على التصدّي لأيّ هجماتٍ كبرى قد يتعرّض لها من مختلف الأماكن. وأمام ذلك، يُطرح السؤال التالي: أين دور القبة الحديدية الإسرائيلية من معادلة الردع القائمة؟ هل ستفي بالغرض عند أي مواجهة مُرتقبة؟ما يكشفهُ سياق التقارير الإسرائيليّة عن مخاوف لدى العدو من اندلاع حرب شاملة، يؤكدُ تماماً أنّ الكيان الإسرائيلي دخلَ في حالة من الهيستريا. ولهذا، ومن أجل “طمأنة” الداخل قليلاً، عمد الجيش الإسرائيلي مؤخراً إلى نشر منظومة “القبة الحديدية” في كلّ “إسرائيل”، استعداداً لسيناريوهات سيئة. ضمنياً، تعدّ هذه الخطوة بديهية ومتوقعة، إذ أنّ الحديث عن حرب متعددة الجبهات تعني أن مختلف أنحاء فلسطين المحتلة ستكون مستهدفة، وبالتالي ذهب الإسرائيليون باتجاه تعزيز الحماية من الهجمات الصاروخيّة التي قد يتعرضون لها من “حزب الله” في لبنان وحركة “حماس” في غزة. إلا أنه ومع ذلك، تكشف التقارير الإسرائيلية أنّ هناك خشية كبرى من تدهور القبة الحديدية سريعاً في حال حصول معركة حيّة. ففي حال دخل “حزب الله” في جبهة واحدة مع غزة وسوريا ضد “إسرائيل”، عندها سيكون وابل الصواريخ الذي سينهال على كيان العدو كبيراً وبالأخص “الصواريخ الدقيقة”، والخوف لدى تل أبيب في تلك الحالة هو عدم تمكن القبة الحديدية من صدّ الهجمات بأكملها، وسط رعبٍ فعلي من إنهيارها بالكامل. وإزاء ذلك، تقول التقديرات الإسرائيليّة أنّ السيناريو الخطير هو أن يفرغ مخزون صواريخ القبة الحديدية خلال وقتٍ قصير جداً في حال حصول هجمات، ما يعني انكشاف كافة الأراضي المحتلة أمام الصواريخ، وعندها سيكون إنهيار تل أبيب عسكرياً أمراً واقعاً لا محال.ما تحملهُ التقارير الإسرائيليّة من معطيات يشيرُ إلى أنّ حلبة المواجهة ستشهدُ معارك عنيفة، وهناك خوفٌ أيضاً من ألا تكون الهجمات عبر إطلاق صواريخ فحسب، بل أيضاً عبر إستهداف سلاح الجو الإسرائيلي، وهناك الضربة الكبرى التي باتت تتجلى في غزة حيث تستخدم صواريخ أرض – جو بشكل لافت. أما الأمر الأكثر خطورة بالنسبة لتل أبيب فهو أن الهجمات المتوقعة قد تترافق مع ضرباتٍ من نوع آخر، وقد تتمثل في هجمات سيبرانيّة قد ينفذها “حزب الله” والإيرانيون ضدّ البنية العسكرية الإسرائيلية، ما يعني ضربة كبرى لجيش العدو في “ذروة المواجهة”.مع كل هذا، فإنّ ما لا يمكن نسيانه أيضاً هو أنّ غياب ترسانة القبة الحديدية سيعني إمكانية استهداف مفاعل حيوية في الداخل الإسرائيلي، ما يشيرُ إلى أنّ المخاطر كبرى جداً لاسيما في حال تم استهداف مفاعل نووية كتلك الموجودة بديمونا في النقب، جنوبي فلسطين المُحتلّة.بشكلٍ أساسي، يمكن القول بكل بساطة أنّ اعتماد “إسرائيل” اليوم هو على “القبة الحديدية” لتفادي أي سيناريوهات قد تُنهي وجودها. وحتماً، فإن الأمر الذي لا يُمكن إغفاله أيضاً هو أنّ “إسرائيل” لم تختبر تلك الترسانة في هجومٍ كبير، في حين أن التشكيك بفاعليتها “إسرائيلياً”، سينفي تماماً ما سعت إليه وسائل إعلام العدو خلال العامين الماضيين عبر إشاعة كلام يفيد بالتحسّن الملحوظ لـ”القبة الحديدية”. فبعد معركة “سيف القدس” في غزة عام 2021، زعم الإسرائيليون أن أداء المنظومة الاعتراضية بلغ 90% مقاربنة بـ80% عام 2014 و70% عام 2012. حتماً، هذه الأرقام بُنيت على أساس معركة محدودة، لكن النسب قد تنهارُ فوراً حينما تندلع جبهات مع بعضها البعض، وعندها المفاجآت ستكون كثيرة. إلى جانب ذلك، فإنّ الأمر الثابت هو أن “القبة الحديدية” تأتي مضادة للصواريخ القصيرة المدى مثل “الكاتيوشا” و “غراد”، والمشكلة الأكبر ستكون مع الصواريخ النوعية التي قد تُستخدم لأول مرة في معركة واسعة.المأزق الأساس أيضاً وسط كل ذلك هو أن الولايات المتحدة وخلال مواقفها الأخيرة، لم تعطِ إسرائيل أهميّة بشأن القبة الحديدية، إذ لم يكن هناك إعلانٌ واضح بتطويرها وتعزيزها.. هنا، فإن علامات الإستفهام كثيرة حول هذا الأمر، والسؤال الأول هنا هو التالي: هل تخلت واشنطن تدريجياً عن تحصين إسرائيل عسكرياً؟ هل تريد انكشافها أمنياً وأمام الصواريخ؟في خلاصة القول، فإن ما يتبين هو أنّ الرّدع الإسرائيلي “يتآكل” بشدّة، والحرب النفسية التي كانت تخوضها “إسرائيل” ضد لبنان وغزة انعدمت تماماً وانقلبت عليها.. كذلك، فإن ما يتبين هو أن الضربة التي ستطالُ “إسرائيل” هذه المرة ستكون موجعة تماماً، وقد تهدد “الكيان” بأكمله…