أقلّ ما يُمكن قوله إنّ لبنان في حالة موت يوميّ، في ظلّ الفراغ الرئاسيّ الذي يترافق مع أزمة إقتصاديّة ومعيشيّة غير مسبوقة تمرّ فيها البلاد.
فالمجلس النيابيّ معطّل وينتظر الخارج كيّ يُبادر إلى إنتخاب رئيسٍ للجمهوريّة وتشكيل حكومة جديدة، للمباشرة بالعمل الإصلاحيّ وإطلاق الخطّة الماليّة المنتظرة، في الوقت الذي تقترب فيه ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من نهايتها.
وفيما يُعيّد المسيحيّون المشرقيّون عيد الفصح اليوم، يسأل كلّ لبنانيّ نفسه: “متى سيقوم لبنان من الموت؟”.
الإجابة عن السؤال ليست صعبة، فالسيادة هي أوّل عامل يُساهم في قيامة لبنان، بدءاً من أخذ القرارات في الداخل، وعدم الإتّكال على الخارج عند كلّ إستحقاقٍ مصيريّ.
فما يقوم به النواب منذ حوالي 6 أشهر مخجل في انتخابات رئاسة الجمهوريّة، فالبعض منهم ينتظر من التقارب السعوديّ – الإيرانيّ أنّ يرجع عليهم بالفائدة كيّ ينتخبوا مرشّحهم، بينما البعض الآخر يُعوّل على الحركة الدبلوماسيّة النشطة في فرنسا، بين الدول الخمس المعنيّة بالملف الرئاسيّ اللبنانيّ.
ويشهد المجلس النيابيّ شدّ حبالٍ بين كتله، فمنها من يرفض التشريع قبل إنتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، ومنها من يُريد الدعوة لجلسات، في دلالة على أنّ الفراغ سيطول، بانتظار الكلمة السرّ من عواصم القرار. وأمام هذه الإشكاليّات الدستوريّة التي بدأت بعدم الدعوة لانتخاب رئيسٍ وفتح دورات متتاليّة لإجراء الإستحقاق، يتبيّن أنّ اللبنانيين قاموا بالإقتراع لمجلس مُعَطَّلٍ ومُعَطِّلٍ في 15 أيّار الماضي، وقد جدّدوا ثقتهم بوجوهٍ نيابيّة قديمة غير مسؤولة باغلبيتها ، بينما الجديدة منها أظهرت حتّى الآن باغلبيتها أنّها غير مؤهّلة للعمل التشريعيّ.
من هنا، فإنّ قيامة المجلس النيابيّ الذي يُعتبر مفتاح الحلول لإجراء أبرز الإستحقاقات هي بيد المواطنين، الذين هم من عليهم التحرّر من التبعيّة الحزبيّة والطائفيّة، واختيار ممثلين كفوئين عنهم، يقومون بواجبهم على أكمل وجه، من دون العمل وفق مصالحم الشخصيّة.
وكما أنّ السيادة باتّخاذ القرارات مهمّة جدّاً، فإنّ سيادة الوطن أساسيّة أيضاً، ومن دونها لا قيامة بتاتاً للبنان.
فالبعودة إلى مشهديّة إطلاق الصواريخ من الجنوب منذ عدّة أيّام، باتّجاه المستوطنات الإسرائيليّة، يظهر أنّ قرار الحرب والسلم لا يزال يُتّخذ من خارج أروقة الدولة، وهو بيد الفصائل الفلسطينيّة و”حزب الله”.
وما حصل في الجنوب يُذكّر بالشرارة التي أدّت إلى بدء الحرب الأهليّة اللبنانيّة عام 1975، عندما انتفض المسيحيّون ضدّ الفلسطينيين بعد تفلّت السلاح بينهم، ورغبتهم بجرّ لبنان إلى حروبٍ مع إسرائيل.
كذلك، فإنّه بعد انتهاء الحرب المؤسفة، وانسحاب الجيش السوريّ من الأراضيّ اللبنانيّة، لا يزال هناك الجيش، و”المقاومة” والتنظيمات الفلسطينيّة، أيّ أنّ جهّتين غير رسميتين بحوزتهما السلاح، ما يتعارض مع مفهوم السيادة، في وقتٍ لا يبدو فيه أنّ هناك مناقشة قريبة للإستراتيجيّة الدفاعيّة، وحتّى لو حصل حوار حول السلاح غير الشرعيّ، فإنّه لن يُوصل إلى نتيجة.
وفي هذا الإطار، فإنّ البعض لا يزال يشعر بالخوف من مستقبله في لبنان، لذا، أبقى السلاح معه، بينما البعض الآخر لديه أجندات خارجيّة تتخطّى مفهوم السيادة الوطنيّة.
وبعد 48 عاماً على الحرب اللبنانيّة، ألا تستوجب هذه الذكرى الأليمة أنّ تدفع هذا البعض إلى التنازل عن عتاده العسكريّ وممارسة العمل السياسيّ بحريّة ومن دون هلعٍ، وأنّ يكون جميع اللبنانيين متساوين، وتحت إمرة القوى الأمنيّة الشرعيّة؟ فإذا كانت الأحزاب كافة ترفض العودة إلى الحروب الداخليّة، فعليها الخضوع لسلطة الدولة والقانون، والإيمان بأنّ الجيش وحده قادرٌ على حماية مواطنيه من المخاطر الإسرائيليّة والإرهابيّة والأمنيّة.
وأيضاً، لا قيامة للبنان من دون سيادة الجسم القضائيّ، الذي يتعرّض لضغوط وتدخّلات سياسيّة يوميّة، علماً أنّ اللبنانيين ينتظرون العدالة والحقائق في مواضيع بارزة، مثل تحقيقات مرفأ بيروت، وتهريب الأموال إلى الخارج، وملفات الفساد التي أدّت إلى هدر أموال خزينة الدولة واحتياطيّ مصرف لبنان.
توازيّاً، ينتظر اللبنانيّون حلولاً إقتصاديّة تضع حدّاً لتدهوّر الليرة أمام الدولار، وإعادة الثقة بالقطاع المصرفيّ. فلا قيامة للبلاد من دون إستقرار سعر الصرف وأسعار المحروقات والمواد الغذائيّة، وهذا لا يتحقّق من دون الإصلاحات الجوهريّة، والحدّ من النفقات والصفقات، كيّ تعود رؤوس الأموال والإستثمارات العربيّة والأجنبيّة مجدّداً إلى البلاد.
وختاماً، يتمنّى اللبنانيّون في هذا النهار المجيد صحوة ضمير لدى المسؤولين، فكلّ ما ذُكر سابقاً قراره بين أيديهم، فهم الذين يتحكّمون بمصير ومستقبل لبنان، سياسيّاً وإقتصاديّاً وأمنيّاً وقضائيّاً، مع هجرة الكثير من العائلات اللبنانيّة وأصحاب الإختصاص إلى الخارج لإيجاد فرص عملٍ أفضل من هنا.
وفي يوم قيامة المسيح من بين الأموات، لا يسعنا إلّا أنّ نصلّي كيّ يُلهم يسوع السياسيين في وطننا، كيّ يُمارسوا واجباتهم، ويُساعدوا في إنقاذ البلاد، ويُساهموا في وحدتها وسيادتها.