ماذا لو تحوّلت جلسة الثلثاء إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية؟

17 أبريل 2023
ماذا لو تحوّلت جلسة الثلثاء إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية؟


على رغم خطورة الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي فإن التعاطي السياسي مع الاستحقاقات الكبرى لا يزال دون الحدّ الأدنى من المستوى المطلوب. فالانتخابات البلدية والاختيارية قد أصبحت في حكم الملغاة أو التأجيل. فالتأجيل هي الكلمة المخفّفة لكلمة إلغاء. وكلمة إلغاء تعني بالنسبة إلى المواطن العادي، الذي لا حول له ولا قوة بعدما استُنزفت كل طاقاته، موتًا سريريًا لبلد لا يزال يكافح ليبقى على قيد حياة لم تكن لتليق به يومًا كما هي اليوم. 

والذين دبّت في عروقهم السياسية الحماسة المفرطة فجأة، وأبدوا كل الاستعداد لحضور أي جلسة تشريعية هدفها تأجيل هذا الاستحقاق، الذي ينتظره اللبنانيون على أحرّ من الجمر ليمارسوا من خلاله حقّهم الديمقراطي في محاسبة المقصرّين وتغييرهم بآخرين يرون فيهم المؤهلات الكافية لإحداث التغيير المطلوب. حجّة هؤلاء الذين سيكونون في الصفوف الأولى في جلسة التأجيل أن الحكومة لم تؤّمن التغطية المالية المطلوبة لإجراء هذه الانتخابات في مواعيدها الدستورية، مع العلم أن الحكومة، بشخصي رئيسها ووزير داخليتها، لم تعلن حتى الساعة عجزها عن تأمين التمويل اللازم لهذه العملية، التي لا تقّل أهمية عن أي استحقاق آخر. أمّا الحجّة الثانية، وهي تضاهي الأولى بعدم امتلاكها قوة الاقناع، فهي أن وزارة الداخلية غير حاضرة لوجستيًا لمواكبة هذه الانتخابات. وهذا ما لم نسمعه من وزير الداخلية أو من أي مسؤول آخر. هذه حجج واهية كما يُقال. أمّا الحجّة الأساسية والوحيدة والحقيقية فهي أن الأحزاب السياسية، وبالأخصّ في “المعسكر” المسيحي، لا تريد لهذه الانتخابات البلدية والاختيارية أن تحصل في هذه الظروف بالذات، لأنها لا تريد أن تسجّل على نفسها المزيد من الخسائر، بعد تراجع شعبيتها في شكل مضطرد، وبعدما لمس الناس لمس اليد تقهقر مستوى أدائها السياسي والإداري والمالي، وحتى الاجتماعي.  ولأن هذه الأحزاب، وهي التي تُتهم بأنها أحزاب السلطة، تخاف من ناسها، تلجأ إلى الهرب من أي مواجهة بالمباشر، لأنها تعرف مسبقًا النتيجة، التي سيؤول إليها الاحتكام إلى رأي هؤلاء الناس، الذين لم يلقوا من هذه الأحزاب سوى خيبات الأمل، وبالأخصّ عند المفاصل المهمة، التي يحتاجون فيها إلى وقوف من يعتبرون أنفسهم مسؤولين عنهم إلى جانبهم، لا أن يتركونهم مستفرَدين ومن دون مساعدة أو عون.  فالانتخابات البلدية هي تعبير مباشر عن ممارسة الديمقراطية الحقيقية، حيث لا تدخل فيها العوامل السياسية إلاّ لمامًا، وإن كان أهل السياسة يحاولون التدّخل فيها لإثبات قدرتهم التأثيرية والتجييرية في البلدات والقرى، التي يعتبرونها مفاتيح انتخابية في الاستحقاقات النيابية. إن مجرد عدم إجرائها يعني ضرب هذه الديمقراطية في عقر دارها. لم نفهم حتى الآن ما هو مبرر “إستماتة” البعض في تعطيل مسرى هذه الانتخابات. وما لم نفهمه أكثر كيف أن هذا البعض، الذي يدّعي الحفاظ على حقوق طائفته، مستعد لتأمين النصاب لجلسة نيابية تشريعية، وبالتالي تأمين ميثاقيتها التي تتعارض في الأساس مع أبسط مبادئ الديمقراطية الحقيقية، وغير مستعد لتأمين النصاب لجلسة تُخصّص لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. فهل المقصود من كل هذا المزيد من استنزاف ما تبّقى من طاقات، ولو ضئيلة، لدى اللبنانيين؟ وهل المقصود إبقاء البلاد في حال من الفراغ الشامل والقاتل؟ وهل المقصود استمرار البعض في ذرّ الرماد في العيون؟ وهل المقصود ترك الناس يتخبّطون في مشاكلهم الحياتية عبر إلهائهم بأمور هامشية؟ وطالما أن “الشباب معذبين حالن ونازلين” إلى ساحة النجمة يوم الثلثاء فلماذا لا يحّولون جلسة الإلغاء التشريعية إلى جلسة انتخابية كاملة الأوصاف تُخصّص لانتخاب رئيس جديد للجمهورية؟