مع اقرار مجلس النواب التمديد للمجالس البلدية والاختيارية، وبالتالي تأجيل الانتخابات التي كانت مقرّرة في شهر أيار المقبل، وذلك بعد انقطاع “قسري” طال أمده، على وقع الفراغ الرئاسي، واقتناع شريحة واسعة من النواب بعدم جواز القيام بأي عمل نيابي قبل انتخاب رئيس، تُطرَح من جديد علامات استفهام بالجملة حول “جلسات الانتخاب الرئاسية” المجمّدة منذ أشهر، في ظلّ “تريث” رئيس البرلمان في الدعوة إليها.
Advertisement
قد تكون مثل هذه الأسئلة في مكانها، باعتبار أنّ “إشكاليّة” الجلسة التشريعية، التي يرفضها بعض النواب، استنادًا إلى تفسيرهم للدستور الذي ينصّ وفق رأيهم على وجوب إنجاز الاستحقاق الرئاسي قبل البحث بأيّ شأن آخر، لا تسري بطبيعة الحال على جلسات الانتخاب، التي يفترض أن يتوافر النصاب المطلوب لها، علمًا أنّ هناك من ذهب أبعد من ذلك لحدّ السؤال عن إمكانية “تحويل” جلسة التمديد إلى جلسة انتخابية، بحسب مقتضيات الدستور.
لكنّ “العقدة” تبدو في مكانٍ آخر، فرئيس مجلس النواب نبيه بري “منكفئ” عن الدعوة إلى جلسات انتخاب جديدة، تستكمل “مهزلة” جلسات الخميس الأسبوعية، التي تحوّلت إلى “مسرحية مملة”، في وقت تستمرّ القوى السياسية بالرهان على تطور إقليمي من هنا، أو زيارة مفصلية من هناك، ليبقى السؤال: متى يحين موعد جلسة الانتخاب الرئاسية الموعودة؟ وهل يتصاعد الدخان الأبيض قريبًا، ليفرج عن رئيس جديد للبنان؟!
“اشتراطات” بري
حتى الآن، لا تبدو جلسة انتخاب رئيس الجمهورية على “أجندة” رئيس مجلس النواب، الذي يقول العارفون إنّه متمسّك بإحجامه عن الدعوة إلى أيّ جلسة انتخاب جديدة طالما أنّ ظروفها لم تنضج بعد، وطالما أنّ لا مرشحين “جديين” معلنين للرئاسة، بعدما ثبت بالدليل الملموس أنّ اسم ميشال معوض لم يُطرَح ليُنتخَب، في حين أنّ سليمان فرنجية لم يعلن ترشيحه رسميًا بعد، كما لم يظهر منافسون جديون له بالوجه القاطع حتى الآن.
بمعنى آخر، يقول العارفون إنّ بري ليس في وارد الدعوة إلى أيّ جلسة جديدة من باب “رفع العتب”، أو تحت عنوان “جسّ النبض”، و”استطلاع الأحجام”، في ضوء المتغيّرات التي طرأت على المشهد، فمرحلة “تضييع الوقت” انتهت، كما أنّ العودة إلى سيناريو “الجلسات المسرحية” تضرّ أكثر ممّا تنفع، لأنّ المطلوب إظهار جدية في مقاربة الاستحقاق، لا “تمييعه” بالشكل الذي كان يحصل في الجلسات التي كانت تعقد بصورة دورية.
من هنا، يعتقد هؤلاء أنّ لرئيس مجلس النواب “شروطه” من أجل الدعوة إلى جلسة جديدة، أولها أن يبدي مختلف الأفرقاء المرونة والليونة اللازمتين، بما يضفي طابعًا من “الجدية” على مثل هذه الجلسة، سواء أفضت إلى انتخاب رئيس أم لا، علمًا أنّه تسلح بالمقاربة نفسها إزاء الجلسة التشريعية، فهو لم يدعُ إليها إلا بعد “ضمان” تحقيق النتائج المتوخّاة منها، بدليل صرفه النظر عن الفكرة قبل أسابيع، حين كان الرفض شبه مطلق لها.
لا جديد في الأفق
استنادًا إلى ما تقدّم، لا يبدو أنّ جلسة قريبة ستحدّد لانتخاب رئيس الجمهورية، باعتبار أنّ لا جديد في الأفق، فمواقف مختلف الأفرقاء تراوح مكانها، والمرشحون الجديون لم يعلنوا عن أنفسهم بعد، ولو أوحت بعض الأسماء المتداولة بـ”جدية” تبقى “منقوصة”، طالما أنّها لم تقترن بإعلانات واضحة ومباشرة وهو ما يسري مثلاً على اسم سليمان فرنجية، رغم ان موقفه من بكركي امس اعطى اشارة واضحة على الترشح، ولكن على أسماء أخرى، من بينها قائد الجيش جوزيف عون .
ولعلّ ما يكرّس هذه المراوحة يتمثّل في عدم قدرة الوساطات الخارجية على إحداث أيّ “خرق” حتى اللحظة، فاللقاء الخماسي الذي عقد حول لبنان، والذي لا يزال الغموض يكتنف نسخته الثانية المرتقبة، لم يفضِ إلى نتيجة، والحراك القطري لا يزال محصورًا في خانة “جسّ النبض” حتى إثبات العكس، في حين أنّ المبادرة الفرنسية التي حكي عنها، وقوامها “سلة متكاملة” بين الرئاسة ورئاسة الحكومة، تصطدم بـ”فيتوهات” من هنا وهناك.
وفي حين استقطبت زيارة رئيس حزب “الكتائب” سامي الجميل بالاهتمام في الأيام القليلة الماضية، فإنّ أيّ جديد لم يرشح عنها، وهو ما تجلى في تصريحاته التي كشف فيها عن سعيه إلى “توحيد المعارضة” ضدّ ترشيح فرنجية، في وقتٍ تستمرّ الرهانات على انعكاسات الاتفاق السعودي الإيراني التي لم تصل بعد إلى “الحلبة اللبنانية”، لكنها تقترب منها وفق أكثر من مصدر، بعد الانفراجة الحاصلة على خط ملفي اليمن وسوريا.
لا جلسة لانتخاب الرئيس إذًا في المدى المنظور، فما يسري على “الجلسة التشريعية” لا يسري بالضرورة على “جلسة الانتخاب”، ولو كان نصاب الثانية متوافرًا، في دورتها الأولى بالحدّ الأدنى. لعلّ في الأمر فائدة، يقول البعض، فالتئام المجلس من دون انتخاب رئيس ما عاد ترفًا، إذ إنّ المطلوب مقاربة جدية ومغايرة لملف الرئاسة، بعيدًا عن المناورات التي تسيء لممثلي الأمة، العاجزين عن القيام بأبسط واجباتهم!